على مفترق الطرق الجديد.. المشروع الوحيد والأفضل

على مفترق الطرق الجديد.. المشروع الوحيد والأفضل

إنّ جزءاً هاماً من أسباب الهجوم على سياسة حزب الإرادة الشعبية ووضعه في مرمى تقاطع النيران من القوى اللاوطنية، يعود إلى كون مشروعه الوطني الواضح المعالم للحل السياسي الشامل للأزمة على المدى القريب وتصوره لسورية المستقبل على المدى البعيد.

هو في موقع النقيض التناحري تماماً مع المشروع البديل، الذي هو أيضاً مخرج سياسي وسلمي، ولكن على شكل «الخطة ب» – وهي المشروع الوحيد المناسب المتبقي والممكن أمام القوى المعادية طبقياً من الفساد الكبير داخل النظام والدولة، وقوى الفساد المعارضة اللاوطنية، وذلك بعد فشل «الخطة أ» – مشروع تصفية سورية دولة ودوراً تاريخياً، عبر التدخل العسكري المباشر، وإحراق سورية من الداخل عبر تسعير قتل الفقراء لبعضهم البعض في معارك «التطهير» والحسم، و«التحرير» والإسقاط.

إنّ هجوم بعض قوى «المعارضة» على مشاركة حزب الإرادة الشعبية في الحكومة الحالية، وقبلها في مجلس الشعب، قد يبدو لأول وهلة موقفاً «ثورياً» يريد مقاطعة النظام السياسي الحالي، ويزعم أنه يريد تغييراً جذرياً. كذلك قد يبدو الهجوم من جانب قوى الفساد، وإلقاء تبعات عملياتها التخريبية وعبثها ونهبها للاقتصاد السوري منذ تطبيق السياسات الليبرالية، وصولاً لتصعيد نهبها ومتاجرتها بلقمة الشعب استغلالاً لظروف الأزمة، واستخدام نفوذها لشرعنة رفع الدعم والأسعار، هو من باب «الحرص على خبزنا ودفئنا»!

في حين أن حقيقة دوافع الهاجمين علينا من كل حدب وصوب، هو الانزعاج الشديد، والإرباك وحتى الذعر من وجود تمثيل سياسي داخل أجهزة الدولة ومؤسسات صنع القرار، لحملة مشروع الحل الوطني الحقيقي الأكثر جذرية وثورية وشمولاً سياسياً واقتصادياً، والمتناقض تناحرياً مع المشروع المضاد – مشروع المخرج السياسي بـ «الخطة ب» – مشروع التحاصص بين الناهبين، وتداول السلطة والثروة بينهم على حساب الأغلبية الشعبية الكادحة والمنهوبة.

أيهما أقل تكلفة؟

قبل التحقق من الفشل النهائي للحل العسكري، كانت سورية على مفترق طرق بين زوالها ككيان جغرافي سياسي موحد عبر تدخل خارجي عسكري مباشر بتكلفة عالية جداً ومدمرة، وبين مخارج أخرى سياسية وسلمية يفترض أنها أقل تكلفة. ثم انتقلنا بعد إجهاض «الخطة أ» بالتدخل المباشر، من الفيتوات الروسية-الصينية، إلى مفترق طرق جديد بين خيارين للخروج السياسي السلمي، أحدهما مشروع «الخطة ب»، الذي يسعى إلى تحقيق المصالح الإمبريالية-الغربية والخروج بسورية ضعيفة ومرتبطة به، أو مشروع الحل الوطني الشامل، فأيهما أقل تكلفة على الشعب السوري وسورية بشرياً واقتصادياً؟

إنّ «الخطة ب» من جهة، والمشروع الوطني الجذري للحل من جهة ثانية، باعتبارهما الخيارين الوحيدين الممكنين حالياً، يتشابهان شكلياً من حيث هما طريقان سياسيان وسلميان، بعد استعصاء ثم فشل الحسم العسكري لأي طرف. ولكنهما مختلفان ومتناقضان جذرياً، لأن المشروع الوطني الجذري للحل يعبر سياسياً عن مصلحة الطبقات الشعبية الكادحة المنتجة وتطلعاتها نحو التغيير الوطني الجذري الشامل، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وديمقراطياً، نحو سورية النمو العالي والعدالة الاجتماعية العميقة.

بينما تمثل «الخطة ب» المشروع السياسي لقوى الطبقة الرأسمالية المرتبطة بالنظام الإمبريالي الأمريكي-الغربي المتهاوي، وما خلافات مكونات هذه الطبقة بين بعضها البعض، سوى على توزيع السلطة والثروة فيما بينها، على أن تظل محتكرة من قبلها كطبقة، أي أنّ كلاً من قوى الفساد السائدة في النظام السياسي، وقوى الفساد المعارضة، بينهما تناقض ثانوي وغير تناحري، وهما أدعى وأقرب للتوافق والتسوية بين بعضهما البعض عبر مخرج سياسي، على شاكلة «الديمقراطية» التوافقية على نموذج «الطائف» اللبناني، أو حكومات «الربيع» المصري والتونسي.

لكن مفترق الطرق الجديد أصبحت حسابات تكلفة المضي في أحد طريقيه مبنية على ما سبقه من استنزاف للثروات ودمار للاقتصاد السوري عبر فترة استعصاء وتجريب الحسم العسكري الذي فشل، فالحسم العسكري لم يفشل إلا بعد أن ترك لنا سورية مثقلة بأعباءالأزمة الاقتصادية المركبة من مكونين، آثار السياسات الليبرالية السابقة لانفجار شباط 2011، ثمّ النتائج المباشرة اقتصادياً واجتماعياً لمحاولات الحسم العسكري الفاشل، حتى وصلنا إلى مرحلة لا بدّ أن يحتاج فيها الاقتصاد السوري إلى دعم خارجي على شكل مساعدات إغاثية إنسانية، ولنفكر هنا بالفارق في التكلفة في حال جاءت هذه المساعدات بشروط سياسية غير وطنية ومرتهنة للمؤسسات الإمبريالية الدولية كصندوق النقد الدولي، وهذا ما سيكون على الأرجح في حال نجاح «الخطة ب»، لأنّ حاملها الطبقي هي القوى الرأسمالية الليبرالية بالدرجة الأولى، وهذا يعني كلفة عالية جداً لن يدفعها سوى الفقراء السوريين، الذين سيصبحون مدينين للرأسمال العالمي بديون أبدية لن تنتهي حتى تأتي على الأخضر واليابس وتأكل ما تبقى من لحم البلد وترميه عظماً. وهذا المشروع هو الأنسب للكفة الأمريكية-الغربية في التوازن الدولي الحالي. أما مشروع الحل الوطني بالانتقال نحو سورية النمو العالي والعدالة الاجتماعية العميقة فهو الأقل تكلفة بالمعنى الاقتصادي والبشري، لأنه حتى لو اضطررنا لتلقي مساعدات، وحتى ديون، فإنّ القدرة على تسديد فواتيرها ستكون أفضل، كما أنها لن تكون بتلك الشروط الإمبريالية الاستغلالية، لأنها ستكون في سياق مشروع أكبر إقليمي تنموي حقيقي، ترجح فيه كفة اقتصاديات الدول الصاعدة في كتلة «البريكس».

تكمن الخطورة الآن في أنّ هذه القوى الحاملة لمشروع «الخطة ب» هي ذات باعٍ أطول، وإرث تاريخي أقوى في التجربة السياسية، والمناورة واللعب والخداع ولملمة صفوفها وتجهيز أدواتها ومفاوضيها ومحاوريها بسرعة ومرونة وتضليل الطبقات المستَغَلة بما يتوفر لديها من إمكانيات مالية وإعلامية، وإيهامها بأنها تصنع تغييراً حقيقياً، بما لا يقاس مع الإمكانيات المقابلة لأصحاب المشروع الوطني الطبقي المضادّ التي تقع على عاتقها اليوم مسؤولية وطنية وطبقية تاريخية في العمل السريع والحثيث نحو تجميع قواها بالسرعة القصوى والاستفادة من رأسمالها الوحيد المتمثل بالحركة الشعبية العالية النشاط، والنضال لتنظيم صفوفها ومساعدة الحركة الشعبية على تنظيم صفوفها أيضاً، نحو تقديم محاوريها من حملة المشروع الوطني، وإلا فإنّ خسارة عامل الوقت وترك مقاعد طاولة الحوار السياسي خالية من القوى الوطنية والمنحازة للطبقات الشعبية الكادحة، يهدد بتسليم العدو الطبقي مفاتيح الحل على طريقته ووفق خطته عالية التكلفة على سورية، والتي تحمل إمكانية خطيرة لتدميرها وزوالها.