أية ديمقراطية نريد؟؟

أية ديمقراطية نريد؟؟

لا تتحقق الديمقراطية الحقيقية بصندوق الاقتراع فقط، فما عادت أكثر هذه الصناديق في عالم اليوم تحقق تطلعات شعوبه، بل هي غالباً ما تتناقض ليس مع مصالح الشعوب فحسب بل ومع إراداتها بشكل مباشر.

ربما كان هذا أحد الأسباب التي جعلت شعوباً كثيرة في العالم اليوم تدير ظهورها لصناديق الاقتراع وتيمم وجهها صوب الميادين، متيمنة بعبارة «الشعب يريد..»..

فشل التدخل العسكري المباشر على سورية نتيجة لميزان قوى دولي جديد، عبّرت عنه مواقف روسيا والصين عبر الفيتو المزدوج المتكرر. ولجأ الغرب وحلفاؤه الإقليميون نتيجة لذلك إلى التدخل العسكري غير المباشر، ضمن المنطق القائل بـ: «إحراق سورية من الداخل»، فكانت النتيجة توازناً عسكرياً على الأرض لم يسمح لأي الطرفين بحسم الوضع نهائياً لمصلحته، وهذا بدوره جعل من الحل السياسي عبر الحوار هو الحل الوحيد الممكن والموضوعي، مما دفع الغرب إلى تبني هذا الخيار كي لا يفقد السيطرة على أدواته في الأزمة، إذا ما تعنّت برفض الحل السياسي في ظل عدم وجود حل آخر..

الديمقراطية أمريكياً:

انتصرت فكرة الحل السياسي، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال تخلي أمريكا عن أهدافها في سورية والمنطقة، وكل ما حصل أنها اضطرت إلى تغيير أدواتها في تنفيذ سياساتها، وأذعنت للحل السياسي.

برزت ملامح النموذج الأمريكي للديمقراطية في العملية السياسية التي أطلقت في العراق بعيد احتلاله في العام 2003، والتي كانت أولى لبنات مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الرامي إلى تحويل هذه المنطقة من دول تحوي مكونات دينية وطائفية وعرقية مختلفة إلى كيانات سياسية أحادية الدين والطائفة والعرق، متقاتلة فيما بينها، ولا تمتلك أي منها دوراً استراتيجياً مستقلاً.

يعود النموذج الأمريكي المذكور ذاته للبروز في تصريحات الساسة الغربيين حول الأزمة السورية في عبارات من قبيل «تمثيل مكونات الشعب السوري وطوائفه» و«حقوق الأقليات» و«الأقلية والأكثرية»، بالمعنى الطائفي طبعاً..ألخ، الأمر الذي يؤذن بجلوس هذه المفردات على طاولة الحوار، وبداية التعبئة والشحن لإدراج هذا النموذج في العملية السياسية المقبلة، وذلك في محاولة جديدة لإجهاض تطلعات الحركة الشعبية في التغيير الجذري والشامل، والتي لا تروق لهم، كتلك المحاولة التي جرت سابقاً عندما تحدثوا عن«انتقال سلطة» دون تغيير بنية النظام وجوهره الطبقي. فلكي يتم امتصاص طاقة الحركة الشعبية وقدراتها الخلاقة يجب أن يتم الاستعاضة عن التغيير الجذري والشامل لبنية النظام القائم برموز طائفية تبقي على فتيل الانفجار موجوداً وجاهزاً للانفجار كلما تهددت المصالح الأمريكية في المنطقة، أو كلما استعرت المعركة الطبقية في الداخل. واللافت أن بعض المتشددين في النظام يروق لهم هذا السيناريو، وهم مستعدون للقبول به طالما أنه يضمن لهم جزءاً من الكعكة، في منطق المحاصصة الطائفية، ويدلل على هذا الأمر سلوكهم على الأرض، كسعيهم لتشكيل مليشيات طائفية تحت مسميات مختلفة..

الديمقراطية وطنياً:

النموذج المطلوب وطنياً للديمقراطية هو الديمقراطية السياسية العابرة للأديان والطوائف والقوميات، حيث يتساوى الجميع في الحقوق السياسية بغض النظر عن انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، وحيث تضمن القوانين والتشريعات عدم التمييز على هذه الأسس. هذا النموذج يدعم الخروج الآمن من الأزمة إلى غير رجعة، كونه يحمل إمكانية حل التناقضات الأساسية التي فجرت الأزمة، وعلى رأسها التناقض الاقتصادي- الاجتماعي والوطني، هو يعيد فرز الثنائيات الوهمية لتصبح حقيقية بين أكثرية منهوبة تلتزم الخيار الوطني السوري تاريخياً، وأقلية ناهبة تقيم تحالفاتها مع أكثر المشاريع رجعية في العالم..

في هذه الحالة فقط يتحول صندوق الاقتراع من عبء ثقيل يقع على كاهل الشعب ويولد النزاعات والأزمات باستمرار، كما في العراق ولبنان، إلى ممثل حقيقي لإرادات الشعوب ومصالحها..