كي يصبح الحراك ضماناً لتحقيق الإصلاحات
عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

كي يصبح الحراك ضماناً لتحقيق الإصلاحات

إثر هبوب رياح الربيع العربي من تونس ومصر التي بشرتنا بإمكانية الانتقال إلى واقع عربي أفضل، سرعان ما انفجر منذ سبعة أشهر ونيّف السخط والغضب وإرادة التغيير في سورية التي كبتتها الجماهير الشعبية عشرات السنين.. انفجرت ضد خنق الحريات والاضطهاد، وضد تفشي الفساد والغلاء والبطالة، ونزل قسم من الجماهير إلى الشارع في مظاهرات سلمية تهتف بمطالبها المشروعة

لكن ثمة سؤال يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل كثافة هذا الحراك والحشد الشعبي فيه، يرتقي إلى مستوى الاحتقان الذي تراكم في حياة شعبنا سنوات طوال؟ قطعاً كلا. لأن المترددين والمتفرجين والصامتين هم أضعاف المشاركين في هذا الحراك.. فما هو السبب المتواري وراء ذلك؟

من أبرز أسباب تردد أغلبية شعبنا بالاشتراك بكثافة في الحراك الشعبي السلمي المشروع – من وجهة نظري - هي:

-1 الحل الأمني واستعمال السلاح ضد المظاهرات السلمية، الذي أدى إلى سيلان نهر من دماء المواطنين الأبرياء واعتقال الألوف وزجهم في السجون، الأمر الذي أشاع الرعب في أوساط الجماهير الشعبية المعنية أكثر من غيرها بتحقيق الإصلاحات، وأظهر في الوقت نفسه بأن الأجهزة الأمنية التي لا تزال في عنفوان سلطتها رغم إلغاء قانون الطوارئ اسمياً، هي ضد الإصلاحات التي من شأنها أن تفقدها امتيازاتها ومكاسبها التي أدمنت عليها.

-2 دخول قوى ذات طابع ديني متشدد على خط الحراك الشعبي، وطرح شعارات دينية وطائفية لخلق الفتنة بين الشعب السوري، وهو ما أرعب شرائح متنوعة من الشعب السوري من احتمال وصول جهات متزمتة أو تكفيرية إلى الحكم فتقوم باضطهادهم أكثر.

-3 نشوء قوى مسلحة لتكون أداة التآمر الخارجي على الوطن، تهجمت على قوى الأمن والجيش والمدنيين، وقامت بتخريب وحرق ممتلكات عامة، وقد أبعدت الكثير من الجماهير من المشاركة في الحراك الدائر.

-4 سطحية الشعارات وعموميتها، وعدم تطرقها إلى مطالب الجماهير الهامة، مثل محاربة الفساد ووضع حد للبطالة والغلاء التي تجذب الجماهير.

-5 طرح شعارات متطرفة لا لزوم لها كالتهجم على مقام رئاسة الجمهورية.. فالشعب يريد العنب وليس قتل الناطور.

-6 الدعوات المشبوهة للتدخل العسكري الخارجي، بحجة حماية المدنيين... وهي تشكل خيانة وطنية، وليس أدل على ذلك، من مثال ليبيا التي تعرض عشرات الألوف من شعبها للموت، بالإضافة لحدوث دمار واسع لآلاف البيوت والمنشآت العامة فيها.. فهل كان ذلك حماية للمدنيين أم قتلاً لهم؟

لكن الآن، تقول بعض الأوساط الشعبية بأن الحكومة الجديدة التي ولدت من خضم الأحداث كمنقذ تخفيف هذه الأزمة، بمعالجة مسبباتها الاقتصادية بالدرجة الأولى، لا يزال موقفها غامضاًً من النتائج الكارثية التي سببها الفريق الاقتصادي سيئ الذكر، لاقتصاد البلد ولحياة الشعب المعاشية... ولا حتى عملت على محاربة الفساد الكبير أو معالجة الغلاء والبطالة.. وجاء قانون الانتخابات الجديد المنحاز لحيتان الانتخابات ولممثلي النظام، والذي من شأنه أن يسمح للسلطة أن تنتج نفسها بثياب جديدة، أي أن تتحكم بالبلاد الطبقة نفسها التي لجأت إلى اقتصاد السوق الليبرالي، لتبدو المسألة وكأننا «تيتي تيتي... مثلما رحتي مثلما جيتي».. كأن المستقبل اللاحق للحكم مرسوم سلفاً.. وهذا ما قد يدفع جماهير أوسع إلى الشارع؟

أيها المتظاهرون السلميون الأشاوس، اطرحوا الشعارات التي تلامس حياة الشعب وأهدافه العميقة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أبعدوا الذين يسمون بالمعارضة المسلحة عن صفوفكم، أبعدوا أدوات التآمر الخارجي من بين صفوفكم.. امنعوا الشعارات التي تدعو للفتنة الطائفية، وشعارات الاستقواء بالخارج والطلب بحماية المدنيين على غرار ليبيا.

إنكم بمثل هذه الشعارات والمواقف تجذبون أغلبية الشعب السوري لترفد مظاهراتكم السلمية الشرعية لأن الجماهير ستتفاعل معها وتندفع بحماس لتحقيقها، فتقوى بذلك الضمانة الأكيدة لتحقيق الإصلاحات المنشودة بالشكل الذي يرضي الشعب السوري كله.