سلطة.. نظام.. جماهير
سامر عبدالله سامر عبدالله

سلطة.. نظام.. جماهير

كرّس الخطاب السياسي للنظام من جهة، ولمعارضته من جهة أخرى فرضية وحدة ثلاثة عناصر هي: (السلطة، النظام، جماهير النظام) حتى بات التمييز بينها أمراً شديد الصعوبة، وحين نعطف (المعارضة) على النظام فنقول (معارضته) فإنما نعني انتماء كل منهما إلى الفضاء السياسي القديم، الفضاء الذي تكون في عهد ما بعد الاستقلال واستمر حتى حينه بقوة العطالة، الفضاء الذي تكونت أدبياته وتطورت في عصر غياب أو ضعف الفعل السياسي للجماهير، فاستمرأ سياسيو الفضاء القديم هذا الغياب وباتوا غير قادرين على أن يعوا معنى عودة الجماهير إلى ساحة الفعل السياسي.. سنحاول في هذه المادة التمييز بين المفاهيم الثلاثة الآنفة الذكر، وبعد ذلك سنصل إلى مجموعة من النتائج المفتوحة للنقاش..

يتجسد النظام السياسي في  أية دولة بأشخاص ومؤسسات وقوانين حقوقية- وضعية محددة، وينتج عن ذلك شكل من أشكال التعمية والتضليل بحيث يصبح من غير الممكن للإنسان العادي التمييز بين الأشخاص والمؤسسات من جهة والسياسات من جهة أخرى، وبكلام آخر يصبح صعباً التمييز بين السلطة والنظام.. وحقيقة الأمر أن النظام السياسي يعني بالدرجة الأولى طريقةً محددة لتوزيع الثروة الوطنية، ومن الواضح أن توزيعاً محدداً للثروة يرتبط بشكل محدد لملكية وسائل الإنتاج، هنا يأتي دور السلطة التي تحافظ على شكل الملكية بالقمع اللطيف والقاسي على حد سواء تبعاً للظروف. بالذهاب أبعد من ذلك، يمكن القول إن تجسد السلطة في أشخاص محددين لا يعني اقتصار السلطة عليهم، فإذا كانت وظيفة السلطة هي حماية نظام توزيع الثروة، فإن لطبقة محددة أو تحالف مجموعة من الطبقات مصلحة في الحفاظ على النظام، وهي إذ تقدم بعض الأشخاص والمؤسسات لموقع السلطة فإنما تحتفظ بخيوط لاستردادها وتوجيهها إذا ما انحرفت عن المسار، ولكن وجود السلطة في أيدي أشخاص محددين يمنحهم امتيازات تمكنهم من تحقيق استقلال نسبي عن الطبقة السائدة، ويتعزز هذا الاستقلال في ظروف ضعف النشاط السياسي للشارع، يتعزز أكثر حين يتوافر شرطا الحالة البونابارتية: توازن قوى صفري بين الطبقتين الأساسيتين مضافاً إليه وجود تهديد خارجي، الأمر الذي يظهر الدولة بمظهر مستقل عن الطبقات، وبمظهر الراعي الأوحد لمصلحة الوطن، وهذا يشابه إلى حد بعيد الظروف السورية خلال العقود الماضية مع الأخذ بعين الاعتبار أن التوازن الصفري بين القوتين الأساسيتين في سورية هو توازن ضعف وليس توازن قوة كما كانت الحالة في فرنسا أيام لويس بونابارت..

إن جماهير النظام مثلها مثل جماهير أي حزب سياسي، مقولة تاريخية، أي أنها متغيرة تبعاً للظروف، وفي الظروف البونابارتية التي ذكرناها آنفاً تتسع جماهير النظام السياسي لتشمل قطاعات كبيرة من المجتمع ميزتها الأساسية أنها غير متمايزة طبقياً، فهي تضم برجوازيين جنباً إلى جنب مع عمال وفلاحين. إن استمرار جماهير النظام جماهير له محكوم بدرجة رضاهم عنه، أي بدرجة مراعاته لمصالحهم، وهذا الأمر ليس ميكانيكياً ولكنه اجتماعي شديد التعقيد، ما يعني أن قياس درجة الرضا ومعرفة العتبة التي ينقلب عندها نحو ضده ومن ثم نحو الفعل يتعلق بطبيعة المجتمع المدروس وإرثه التاريخي ودرجة تحمله للفقر والتهميش وقمع الحريات، ولعل الدلالة على ذلك تظهر في أن الحياة قدمت لنا نماذج شديدة الاختلاف حول درجة تحمل المجتمعات المختلفة..

نتائج:

-1 إن إصرار النظام على اعتبار نفسه الممثل الوحيد للوطن، هو محاولة لمحو الفروقات بين عناصر ثلاثية (سلطة، نظام، جماهير نظام) والهدف وراء ذلك هو الحفاظ على الجماهير بغية حماية نظام توزيع الثروة، وبقاء الاستفادة الكبرى في يد طلائع الطبقة السائدة الموجودين ضمن السلطة.

-2 إصرار (معارضة) النظام على شعار إسقاطه ومن ثم انتقال السلطة، يعني إصرارها على المحافظة على النظام ولكن مع تبديل المستفيدين من توزيع الثروة القائم.

-3 ينتمي كل من النظام ومعارضته إلى شكل قديم من الصراع على الثروة هو الصراع بين الناهبين، وتنتمي جماهير النظام وجماهير معارضته وما بينهما، إلى صراع جديد: منهوبين ضد ناهبين.

-4 إنتاج سورية جديدة، يتطلب إعادة اصطفاف الناس وفقاً لمصالحهم العميقة الوطنية والطبقية.