المعارضة بين المفهوم التقليدي والمعنى الواقعي!
واصل الأحمد واصل الأحمد

المعارضة بين المفهوم التقليدي والمعنى الواقعي!

ينطوي مفهوم المعارضة على معانٍ مختلفة، وتفسيرات متعددة في الخطاب السياسي السوري المعاصر كما يبدو إثناء متابعة مواقف القوى السياسية السورية، وخصوصاً في ظل محاولة بعض قوى المعارضة التقليدية الاستئثار بموقع المعارضة، وتغييب الآخر المعارِض

المعارضة الليبرالية - قراءة تقليدية، ومغترِبة!

ما هو دارج في خطاب المعارضة التقليدية هو محاولة تقزيم فكرة المعارضة الى مجرد رفع شعار التداول السلمي للسلطة، أي إن الأمر يقتصر على التناوب في الجلوس على كرسي السلطة بغض النظر عن البرنامج الذي سيتم تطبيقه وعن مصالح من يعبر هذا البرنامج وما هي أدوات تنفيذه، كل ذلك لايهم وفق هذا المنطق المهم هو قدس الأقداس «كرسيّ العرش»..!؟
كان الاغتراب عن الواقع السوري وما زال أهم إشكاليات هذه المعارضة التقليدية، فهي تثبت على الدوام وأمام كل حدث أنها لم تتفهم الواقع السوري كما ينبغي، وأنها لا تعرف تناقضاته وخصوصياته، وأنها لم تنظر يوماً إلى هذا الحدث من زاوية الرؤيا المطلوبة، كشرط ضروري لأية قراءة علمية للظواهر الاجتماعية، الأمر الذي يفسر تأرجح مواقفها باستمرار، ويندرج في هذا السياق تفسيرها السطحي لدرجة الإبتذال أحياناً لتحديد المعنى الواقعي لـ «مفهوم المعارضة» حسب خصوصيات الظرف السوري الملموس.

المعارضة سوريّاً، ماذا تعني؟

الخيارات المطروحة أمام الشعوب والبلدان هي خيارات يفرضها الواقع الموضوعي، وهي ليست قضايا إرادوية، أو تأملات وذاتية مثقف ما، أو إبداع حزب سياسي على أهمية دور كل ذلك في كشف وتحديد هذه الخيارات، ولكن الخيارات الفعلية يجب أن تعكس حاجات الدولة والشعب المعني، فما هي الأولويات السورية؟
على جدول أعمال الشعب السوري ومنذ ما يقارب العقدين ثلاثة قضايا أساسية تتفرع عنها بلا شك مسائل عديدة، ولكن تبقى العناوين الأساسية القضية الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، والتي تعتبر الأعمدة التي تقف عليها الخيمة السورية، وكما بينت التجربة الملموسة فإن تجاهل أي منها أو محاولة التقليل من شأن هذه أو تلك أطاح بالأخرى وجعل الوضع في البلاد عرضة للاهتزاز في فترة ما قبل تفجر الازمة، ويعرضها للسقوط الحتمي في ظل الأزمة.
إن المعيار الحقيقي لأية قوة معارضة يكمن في إدراك هذه الحقيقة والعمل بها، أي في في موقفها من هذه الثلاثية على أساس ترابطها وتكاملها، ولكن المعارضة التقليدية كانت على طول الخط تضع قضية الديمقراطية بمعنى الحريات السياسية فقط على رأس الأولويات وأخضعت لها قسرياً كل من الملف الوطني والاقتصادي الاجتماعي.. لابل تطابقت مواقفها مع موقف النظام في القضية الاقتصادية الاجتماعية، بتبني ما يسمى الاقتصاد الحر، أما في القضية الوطنية فيمكن القول أنها كانت غالباً على يمين النظام نفسه، وكالمستيقظ من غفوة كان هذا التيار« المعارض» يحاول استغلال كل تناقض بين النظام والغرب الاستعماري محاولاً الاستفادة من الثاني في تحقيق أجندته «الديمقراطية»، ويحاول جاهداً احتلال مقعد افتراضي له كلما وشوش ذاك الغرب لأحد ما بأن أيام النظام باتت معدودة!؟ ناهيك عن الموقف من امكانية حل الصراع مع العدو الصهيوني بالمفاوضات فقط.
  إن المطلوب ليس استبدال سلطة بسلطة بل تغيير كامل البنية وباتجاه محدد وحصري وهو تجذير المعركة الوطنية ضد العدوانية الامريكية، وتعميق المعركة ضد قوى الفساد التي تعتبر الليبرالية أعلى أشكالها، وتأمين الشكل الحقوقي الناظم للعلاقة بين الدولة والنظام والمجتمع.

في جذر موقف المعارضة التقليدية:

هذه المعارضة كعادتها في تقليد الآخر استوردت مفهوم المعارضة التقليدي كما هو سائد ورائج في دول الديمقراطية البرجوازية، حيث التنافس على السلطة هناك يجري ضمن البنية نفسها مع تغيير في الأدوات حسب الظرف، وحسب أولويات الحالكم الفعلي «الرأسمال» الذي يغير يافطته بين الحين والآخر بداعي البريستيج الديمقراطي لا أكثر و لاأقل، لسنا هنا بصدد تقييم تجربة الديمقراطية البرجوازية بقدر ما نريد الوقوف على تجاهل المعارضة السورية أو جهلها بأن الإقتصار في الدعوة إلى الديمقراطية السياسية، وعنوانها الأبرز التداول السلمي للسلطة، واعتبارها مقياساً أساسياً ووحيداً للانتماء إلى المعارضة في تقليد مبتذل لتجربة تلك الدول لن تنتج إلا ديمقراطية كسيحة وعرجاء ومشوهة لاتفي بضرورات الواقع الموضوعي السوري وستعيد إنتاج الأزمات... لماذا؟
برجوازية المراكز الرأسمالية وباعتبارها برجوازية ناهبة، وتستحوذ على تراكم هائل للثروة على خلفية نهب العالم على مدى قرون، استطاعت منح مستوى معين من الحريات السياسية بالتوازي مع الحفاظ على نهبها و سلطتها، أما برجوازية الرأسماليات الطرفية ومنها سورية فلا تستطيع تكرار التجربة نفسها باعتبارها برجوازية بلد منهوب محلياً ودولياًـ في ظل هذا النظام او أي نظام غيره، ولا تستطيع الحفاظ على التوازن الاجتماعي وتأمين الحد المعقول من حاجات الشرائح الشعبية العريضة بالتوازي مع نهبها وتبعيتها الإقتصادية للمراكز الرأسمالية مما يفرض عليها محاولة الضبط القسري للمجتمع، وبالتالي فإن التركيز على الحريات السياسية دون جذرها الطبقي، أي دون أن تقترن بالنضال   السياسة الليبرالية التي تعتبر ستارة خجولة لتسويق الرأسمالية في بلدان الأطراف يعني شيئاً واحداً وهو تغيير من يقمع دون إلغاء القمع.