عفرين والحسابات الخاطئة

عفرين والحسابات الخاطئة

يتصاعد خطاب التحريض التركي، فيما يتعلق بالوضع في عفرين، وإمكانية اجتياحها، تحت حجة محاربة وجود حزب العمال الكردستاني.

لدى تدقيق تطور الموقف التركي في المسألة السورية، يلاحظ المرء ببساطة بأنه لعب دوراً تخريبياً منذ بداية الأزمة، وحتى قبل تشكل قوات الحماية نفسها، حيث سعت الدولة التركية كثيراً إلى إقامة منطقة آمنة، وما إلى ذلك من مشاريع باءت كلها بالفشل، وتبين بالملموس، بأن كل الحملة الدعائية التركية عن مثل هذه المنطقة، والتهديدات التي لم تقف يوماً بالتدخل العسكري المباشر، وخطوط أردوغان الحمر كلها، لم تكن إلا استعراضاً إعلامياً تعكس عجزاً في الميدان، وجاءت في إطار البحث عن دور في مفصلي في الملف السوري. 

كما فشلت المحاولات السابقة في تثبيت وشرعنة الوجود التركي، نعتقد بأن التهديد الجديد باجتياح عفرين سيبوء هو الآخر بالفشل، لا لشيء، بل لأنه يتجاوز الخط المرسوم وفق معايير التوازن الدولي الجديد، ولأن هذه المحاولات التركية تتجاوز ما هو حق لها، ضمن سياقات هذا التوازن ومفاعيله، ومنطقه، وعليه، فأن التهديد المستمر باجتياح منبج وعفرين ليست له أية قيمة حقيقية، كونها تستند على حسابات سياسية خاطئة مجدداً. وإذا كان من الطبيعي أن يكون لتركية دور في الأازمة السورية، بحكم أنها دولة جوار، إلا أنه ليس من الطبيعي أن يصل هذا الدور، إلى ما يمنع الوصول إلى حل سياسي، فكل دور، لأية دولة خارج هذا السياق هو دور تخريبي موضوعياً، ومردود على أصحابه عاجلاً او آجلاً، 

خطأ الحسابات التركية ، لا ينفي أخطاء الأطراف الأخرى، فقوات الحماية التي تشكلت للدفاع عن الذات، ضد داعش، وجبهة النصرة و أثبتت جدارتها، وقدمت تضحيات اكسبتها المزيد من الاحترام لدى الرأي العام المحلي والدولي، وصارت رقماً هاماً في المعادلة السياسية والعسكرية السورية، بات في حكم الملموس أن مرجعية هذه القوات تعتمد على حسابات خاطئة، فتتجاوز حدود إمكاناتها الذاتية، والدور المنوط بها موضوعياً، حيث تم إغراقها بما هب من دب من القوى، بما فيها فلول داعش، ويتم زجها ضمن لعبة دولية - إقليمية خطيرة، يمكن أن تودي بكل ما أنجزته، من خلال جعلها أداة ابتزاز للقوى الأخرى الفاعلة في الأزمة السورية، من حيث تدري أو لاتدري.

صحيح ان قوات الحماية ليست هي التي جلبت الولايات المتحدة، ولكن صحيح أيضاً، أنها تبني مواقفها على أساس وجود مديد للقوات الأمريكية، دون أي مبرر موضوعي أو قانوني، وإذا كان هناك من يظن بأن الوجود الامريكي سيحميه من تقلبات الدهر، ومفاجآته، فإن التجربة الملموسة لحلفاء الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة في الخليج، وكردستان العراق، وتركية نفسها، وفي شرق آسية، وأوربا، تؤكد بأن هذه الدولة تمر بمرحلة عجز، وأنها محكومة باستحقاقات التوازن الدولي الجديد، وإن محاولة بعض القوى فيها إلى الالتفاف على هذه الاستحقاقات فاشلة، ومن هنا، فإن الرهان على هذا الوجود في تثبيت الأمر الواقع القائم في الشمال السوري، يندرج في إطار السياسات قصيرة النظر.

من الواضح أن الولايات المتحدة، تحاول ابتزاز الكل بالكل، مرة تعطي إشارات «إيجابية» لتركية، ومرة أخرى ترسل إشارات «إيجابية» لقوات الحماية، كما كانت تفعل في العراق، وفي الأزمة الخليجية، لتكون النتيجة خسارة الكل، وخروج الأمريكي بأقل الخسائر.

التشكيك بنوايا تركيا حق مشروع، والتحذير من تحشيداتها العسكرية أمر مبرر، والاستعداد لمواجهتها ومقاومتها بكل الوسائل، واجب وطني وقومي وإنساني.. ولكن دون أن يتم توظيف ذلك لخدمة الـ«لاحل» الأمريكي، وعدم نسيان حقيقة أساسية بأنه من المحال أن تصعد الدولة التركية الموقف الى هذا المستوى، دون ايحاءات وموافقة الولايات المتحدة، أو على الأقل دون التنسيق مع قوى نافذه في مطبخ القرار الأمريكي، فخلافات الولايات المتحدة مع حلفائها هي في جانب منها، انعكاس للانقسام الأمريكي نفسه، حول الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة.

خلاصة الكلام

تركيا لن تتجرأ على اجتياح عفرين ولا غيرها، والولايات المتحدة لن تستطيع البقاء في سورية كما يظن البعض، وكما أن اقصر الطرق لرد التهديدات التركية على أعقابها هو الانخراط في العمل من أجل الحل السياسي للأزمة السورية - الذي يعني فيما يعني تغيير جذري وشامل للبنى والسياسات السابقة، وعدم العودة الى سياسات ما قبل 2011، بما فيها في الوضع الكردي - فإن ما من شيء يسرّع الخروج الأمريكي، كما يسرعه الحل السياسي، وما من شيء يعيد قوات الحماية، وكل القوى الأخرى إلى حجمها ودورها الطبيعي، إلا الإسراع بالحل العتيد.

آخر تعديل على الأربعاء, 17 كانون2/يناير 2018 20:50