عالِماتُ وعُلماء غزّة... عُقولٌ تقاوِم الفاشية الصهيونية

عالِماتُ وعُلماء غزّة... عُقولٌ تقاوِم الفاشية الصهيونية

تتميّز غزّة والضفة الغربية بواحدة من أعلى نسب التعليم بين السكان في العالم، مع أكثر من 25٪ من السكّان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً مسجَّلون في الجامعة، وهذا أكثر بمرّتين من المتوسط ​​​​في المنطقة العربية. ونصف هؤلاء الطلاب من النساء، وهي نسبة من أعلى المعدلات في العالَم.

وردت الأرقام المذكورة أعلاه في تقرير نشرته منظمة «علماء من أجل فلسطين»، عن تحديات وفرص العلوم في الضفة الغربية وقطاع غزة.

التعلُّم تحت الحصار

ذكر التقرير نفسه أنه منذ سنوات والعلماء في قطاع غزة المحاصر، فضلاً عن الضفة الغربية، يواجهون العديد من التحدّيات، بوصفهم جزءاً من الشعب الفلسطيني ويعيشون معاناته من جرّاء تعمّد الاحتلال حرمانهم من المياه والغذاء والكهرباء، إضافة إلى القيود الصارمة على التأشيرات، والمداهمات والإغلاق القسري للجامعات، ونقص التمويل والاستثمار في العلوم، والقيود الشديدة على توافر المعدّات والموارد التجريبية. ومع ذلك، لا يزال الفلسطينيون صامدين في تصميمهم على متابعة العلوم.
ورغم الاعتداءات «الإسرائيلية» المستمرة تمكّن قطاع التكنولوجيا الفائقة في الضفة الغربية وغزّة من الازدهار مع وجود مؤسّسين شباب وذوي تعليم عالٍ.
في الواقع، انضم العلماء الفلسطينيون أيضاً إلى التعاون الدولي العلمي، وحتى إلى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) التي تدير أكبر مسرّع للجسيمات في العالم. ويتبادل العلماء الفلسطينيون مع نظرائهم في العالَم وجهات النظر المباشرة حول وضع العلماء في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن أمثلة هذه النشاطات، ندوات تنظّمها مؤسسة «علماء من أجل فلسطين»، ومن المشاركين فيها الدكتورة سماح جبر (مديرة وحدة الصحة النفسية، في وزارة الصحة الفلسطينية، وهي طبيبة نفسية ممارسة في القدس والضفة الغربية). والدكتور طارق لوباني (لاجئ فلسطيني يعيش في كندا، أستاذ مساعد في جامعة غرب أونتاريو، عالم مشارك في معهد لوسون للأبحاث الصحية والمدير الطبي لمشروع جليا). والبروفيسورة رنا سمارة (أستاذة مشاركة في علم الحشرات والمكافحة البيولوجية في قسم البستنة والإرشاد الزراعي في جامعة فلسطين التقنية في خضوري بالضفة الغربية).

باحثة من غزّة

في عدد آب/أيلول 2017 من مجلة الجمعية الفيزيائية الأمريكية APS، كتبت البروفسورة وعالمة الفيزيائية البنغالية-الأمريكية، سلطانة نورون نهار، مقالاً بعنوان «البحث العلمي في غزة في فلسطين»، تحدثت فيه عن إحدى طالبات الدكتوراه الفلسطينيات من غزة، واسمها زَهْر سمّاك.
تصف البروفسورة نهار طالبتها الغزّاوية «زَهْر، وهي شابة طويلة وقوية ترتدي عباءة سوداء، وتظهر في طريقتها بالتحدث التصميم والإصرار على متابعة دراستها. إنها متميزة عن غيرها من الطلاب ذوي الوجوه البشوشة. كانت تعيش بمفردها بعيداً عن الحرم الجامعي، وكانت تستقل الحافلة يومياً وهي تحمل جهاز كمبيوتر محمولاً قديماً ثقيلاً. كان جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها هو الكمبيوتر الوحيد الذي لم يتمكن من الاتصال بالإنترنت عبر شبكة واي فاي أثناء ورشة العمل الحسابية حول R-matrix ورموز البنية الذرّية التي كنتُ أجريها. لقد تقدّمت للامتحان النهائي وهي تعاني من نزلة برد وحمّى، لكنها أبلت بلاءً حسناً. عرضتُ عليها 300 دولار لشراء جهاز كمبيوتر جديد، لكنها رفضت بأدبٍ قائلة إنها تحتاج فقط إلى الدُّعاء من أجل نجاحها. ولم تَقبل هذه المساعدة منّي سوى عندما أوضحتُ لها أنّ ذلك كان بسبب إخلاصها وأدائها في الدورة. من خلال زَهْر تعرّفتُ على المزيد عن الجامعة الإسلامية في غزّة وقمتُ بالاتصال بها».
وتقول الدكتورة نهار، إنها في الفترة من 14 إلى 15 آذار 2017، تمّت دعوتُها كمتحدّثة رئيسية في الجلسة الافتتاحية التي عقدتها الجامعة الإسلامية في غزة بمؤتمرها الدولي السادس لتطوير العلوم، ولكن «لسوء الحظ، لم أتمكّن من حضور المؤتمر، ولكن بدلاً من ذلك قمت بإرسال شرائح العرض التقديمي للمحاضرة الخاصة بي حول (العمليات الذرية من الكون إلى علاج السرطان) مع معلومات الاتصال الخاصة بي عبر Skype للإجابة عن الأسئلة بعد العرض التقديمي».
وتتابع «ولكن بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن غزة، توقّف برنامج Skype عن العمل، فأجاب أحد الأساتذة عن الأسئلة. جاء المشاركون من جامعات غزة، ومن الدول العربية المجاورة مثل الأردن والكويت وقطر ومدينة بيت لحم، وانضممتُ عن بعد من الولايات المتحدة. وكانت مجالات البحث التي تم تناولها في الكيمياء والهندسة البيئية وعلوم الأرض والمياه والطاقة المتجددة/الطاقة الخضراء، العلوم البحرية، علوم الحياة والصحة، والتكنولوجيا الحيوية، الرياضيات، والفيزياء. وتناولت العروض مواضيع شيقة وحديثة بعنوان (مستويات الزنك والمغنيسيوم لدى مرضى هشاشة العظام من شمال قطاع غزة) و(خصائص تشتت الدليل الموجي لسطح الجرافين البلازموني رباعي الطبقات)».
تضيف الدكتورة نهار أنها قامت بإنشاء «برنامج اعتراف» في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الجامعة الإسلامية بغزة في عام 2015 لتحفيز وتعزيز التعليم والبحث في العلوم الأساسية والتطبيقية. يمنح البرنامج 14 جائزة، 7 لأعضاء هيئة التدريس للمنشورات البحثية عالية الجودة وأفضل مهارات التدريس و7 للطلاب لأفضل أداء أكاديمي في أقسام الفيزياء والأحياء والكيمياء والرياضيات وستة أقسام الهندسة. وقد تم توزيعها لأول مرة في نيسان 2017 حيث تم عرض الأنشطة البحثية المختلفة. كما تم الكشف عن الفائزين بالجوائز. ومن بين جوائز أعضاء هيئة التدريس، مُنِحت خمس جوائز لأعضاء هيئة التدريس من الرجال، وواحدة لعضوة هيئة تدريس امرأة من قسم الهندسة. ومع ذلك، ذهبت ستة من أصل سبعة من جوائز الطلاب إلى طالبات إناث. وتضيف د. نهار «لقد كان من المثير للإعجاب رؤية صدق وتفاني النساء، وآمل أن يتبنّى الرجال النهج نفسه أيضًا».

العلماء والقيود الصهيونية

في الأوّل من شهر تشرين الثاني الجاري 2023 تبلّغت جمعية «علماء من أجل فلسطين» أنّ البروفسور الفلسطيني عماد البرغوثي محكوم عليه بالاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر من قبل الاحتلال في سجن عوفر بالضفة الغربية. البروفسور البرغوثي هو أستاذ فيزياء في جامعة القدس، محبوب من قبل طلابه، وأب لخمسة أطفال، وواحد من أكثر علماء الفيزياء الفلكية الفلسطينيين احتراماً على المستوى الدولي، وشخصية ذات حضور مميز للغاية، ويتحدث بشجاعة ضدّ الاحتلال الصهيوني. والاعتقال الإداري، وهو إجراء تستخدمه السلطات «الإسرائيلية» للسجن إلى أجل غير مسمى دون محاكمة ودون تهم، ويستخدم بشكل روتيني ضد الفلسطينيين، وقد أدانته الأمم المتحدة ويشكل انتهاكاً مباشراً للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفي الأسابيع القليلة الماضية، تم اعتقال أكثر من 1000 فلسطيني في الضفة الغربية وحدها، وتم وضع معظمهم في نظام الاعتقال الإداري.
وطالبت الجمعية «بالإفراج الفوري عن البروفيسور البرغوثي والفلسطينيين الآخرين المحتجزين بشكل غير قانوني، وكذلك وقف الأعمال العدائية في غزة فوراً ومحاكمة جرائم الحرب التي يتم ارتكابها» وأعدّت عريضةً دعت إلى توقيعها بهذا الشأن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147