تغيير جنس الطفل يزيد الانتحار 19 ضعفاً!

تغيير جنس الطفل يزيد الانتحار 19 ضعفاً!

يضيء المقال التالي من وجهة نظر طبية نقدية على طريقة التعامل السائدة المسيَّسة من مؤسسات غربية تجاه عمليات «التحوّل الجنسي»، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف يجري تجاهل أدلة علمية تؤكّد المخاطر المحدقة بحياة ونفسية القاصرين تصل إلى رفع معدّل الانتحار 19 مرة بعد هذه الجراحات غير العكوسة، التي تترك تأثيراً دائماً في جسد وحياة الطفل أو الطفلة طوال العمر، وما يتعرضون له هم وأهاليهم من ضغوط لإجرائها.

يجدر بالذكر في البداية أنّ الموضوع أوسع من الجدال العلمي والطبي البحت حول المسألة، وهو وثيق الصلة بسياسة ممنهَجة ذات أهداف محدَّدة، سبق لأحد ملفات «مركز دراسات قاسيون» أنْ تناول مغزاها الإستراتيجي العام، تحت عنوان «في الأبعاد السياسية والأيديولوجية والهيمنيّة لمتاجرة الغرب بمسائل المثلية الجنسية»، المنشور في العدد 1093 من جريدة «قاسيون» بتاريخ 23 تشرين الأول 2022، وإليه نحيل القارئ المهتم بنظرة أوسع على الموضوع. ونكتفي منه هنا بالاقتباس التالي «واحدة من أكبر مشكلات التعاطي مع هذه المسألة أنها محكومة حتى اللحظة، بتسيّد رأيَين متطرِّفَين في التعاطي معها؛ أحدهما هو الرأي الذي ربما تصلح تسميته بـ(التكفيري) والذي ينكر على المثليين حقوقهم» فحسب، بل وحتى حقهم في الوجود، والآخر – وهو تكفيريٌّ أيضاً، وإنْ بطريقة أخرى – ويزعم الدفاع عنهم عبر وضعهم في مواجهةٍ وجودية مع شتى أنواع المعتقدات الاجتماعية والدينية والطبيعية، وربما المثال الأكثر فداحةً على ذلك هو السعي إلى تشريع عمليات التحول الجنسيّ للأطفال!».

في إحدى التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض خاطب الرئيس الأمريكي جو بايدن «آباء الأطفال العابرين للجنس» قائلاً: «إنّ تأكيد هويّة أطفالكم، هو أحد أقوى الأشياء التي تفعلونها لكي تحافظوا على أمانهم وصحّتهم».

وتقوم السلطات في أمريكا وعدد من الدول الأوروبية بالدفع بشكل متزايد بسياسة مثيرة للجدل تسمى «الرعاية من أجل تأكيد الهوية الجنسية» gender affirmation care وهي إجراءات تعرّفها منظمة الصحة العالمية بأنها تشمل طيفاً من التدخلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية والطبية «مصمَّمة لدعم وتأكيد الهوية الجندرية للفرد» عندما تتصادم هذه الهوية مع ما يسمّى الجنس «المنسوب» للطفل عند الولادة، بحيث تؤدّي هذه التدخلات إلى تحويل جوانب حياة «العابرين للجنس» من النواحي العاطفية والبيولوجية لكي تتماشى مع «هويّتهم الجندرية»، وهذه الهوية تعرّفها الجمعية الأمريكية للطب النفسي بأنها قد تكون «في أي مكان على طول الطيف الذي يتضمّن رجلاً، أو امرأة، أو توليفةً بين الاثنين، أو ليس أيّاً منهما، أو هوية سائلة أخرى».

«موافقة» أم «استغلال» للقاصرين؟

في لقاء وثائقي معها بعنوان «أزمة هويّة: طبيبةٌ تدقُّ ناقوس الخطر بشأن خطّ تجميع صناعة التحويل الجنسي»، تقول الدكتورة الأمريكية مريم غروسمان، إنه «ليس هناك إجماع بين الأطباء والخبراء بل هناك جدال، ولكنّ واشنطن لا تعترف بالأصوات التي على الطرف الآخر، إنّهم يكمّمون أفواهنا، ويتصرّفون كما لو أننا غير موجودين».

وتلفت الدكتورة مريم الانتباه إلى أنّ التركيز على الجانب الجنسي من مشكلات هؤلاء الأطفال و«التشويش الجندري» الذي قد يعانون منه، وسط هستيريا التشجيع المفرط على جراحات تغيير الجنس، تؤدي إلى تجاهل الأمراض الأخرى المرافقة التي قد تكون موجودة لدى هؤلاء الأطفال، وخاصةً الاضطرابات النفسية كالقلق أو الاكتئاب أو طيف التوحّد. وهناك قلق كبير بشأن أنّ العديد من «عيادات الجندر» وعيادات الاختصاصيين الآخرين، الذين يسمّون بـ«خبراء الجندر»، قد لا يقومون بالتحرّي الكافي عن وجود هذه الحالات والأمراض النفسية المرافقة.

وتعرب الدكتورة عن قلقها وانتقادها لهذه الممارسات من قبل المراكز والعيادات المشار إليها، معتبرةً أنهم كثيراً ما يتسرّعون في الزجّ بالأطفال فيما وصفته بـ«خطّ تجميع صناعة التحويل الجنسي» في إشارة منها إلى التسليع والإتجار بهذا النوع من الجراحات (تكلفة تحويل الذكر إلى أنثى بين 2500 و6000 دولار، والأنثى إلى ذكر بين 5000 إلى 10000 دولار).

مثال من البروباغاندا

في مشفى الأطفال بولاية بوسطن، يعلن «مركز جراحة الجندر» في فيديو ترويجي «معظم الجراحات تتطلب أن تكون بعمر 18 حتى تتم أخذ الموافقة القانونية منك لإجراء العمل الجراحي لك، لكننا بوصفنا مشفى أطفال نقبل ذلك من أطفال بعمر 15 إذا كان جنسهم قد تأكّد لفترة طويلة من الزمن ولم يكن لديهم أيّ اختلاطات حياتية تمنع إجراء الجراحة لهم».

وتعلّق الدكتورة مريم بأنّ هؤلاء «يملكون الوقاحة بأنْ يخبروا الأب والأمّ بأنهم يعرفون طفلهما بشكل أفضل منهما، بمجرّد أن يروه لثلاثين دقيقة أو ثلاثة أرباع الساعة، أو حتى 3 أو 4 مرات! هذا يشكّل أذى نفسياً شديداً للأهل... يُقال لهم إنّ هذا هو الصواب وأن عقليّتكما متحجّرة ويجب أن تكونا أكثر انفتاحاً، ويستشهدون بما يقوله الرئيس بايدن، وما تقوله الدكتورة راشيل ليفيني» – وليفيني هذه كانت ذكراً وتحوّل إلى «أنثى» منذ العام 2011 وهو/هي يشغل منصب السكرتير المساعد للرئيس الأمريكي لشؤون الصحة منذ آذار 2021، ومنصباً جامعياً في طب الأطفال والطب النفسي.

وتتابع الدكتورة مريم «إنهم يركزون على ما يريده الطفل في لحظةٍ راهنة... كأن يخطر له أنّه من الأفضل لو كان من الجنس الآخر لأنّه يعتقد أنه سيصبح أفضل وسيخلّصه هذا التحوّل من مشكلاته الأخرى...» وتستنكر الدكتورة وضع قرار الجراحة بيد القاصرين، قائلة «ليس ثمة حقل آخر في الطب يُسمَح فيه للطفل باتخاذ قرار طبي، ومع ذلك فإنّهم يسمحون له بذلك في هذا المجال – تغيير الجنس».

تجاهل الدراسات

تستشهد الدكتورة مريم بدراسات تقول إنها أظهرت أنّ 80% من الأطفال الذين مرّوا بحالة عدم رضا عن جنسهم (gender dysphoria) بعمر 4 أو 6 سنوات، كانت هذه الحالة عابرة لديهم، بحيث عندما أصبحوا بمرحلة البلوغ الطبيعي يأخذون بتقبّل ما هي عليه أجسادهم بشكل طبيعي، وبالتالي فهم ليسوا بحاجة إلى هرمونات أو جراحات تحويلية. وتضيف «ولكنّ هذه المعلومات تلقى التجاهل من زملائي... إن طريق تحويل الجنس طريقٌ صعب، وينطوي على بقاء الشخص طيلة حياته متنقلاً بين عيادات الأطباء، حيث عندما يتم وضع الطفل على أدوية مثبّطة للبلوغ يصبح لديه احتمال 98% أن ينتقل إلى تلقّي هرمونات الجنس الآخر، والتي بدورها ستحدث تغييرات جسدية غير عكوسة، إضافة إلى التسبّب بالعقم».

وتشكو الدكتورة مريم من تعرّضها هي وزملائها من الأطباء الذين لديهم رأي ناقد بهذا الصدد إلى القمع والتهميش من قبل «أيديولوجيا التحوّل الجنسي... التي تفرض علينا القبول بتعريض بنتٍ في الثالثة عشرة إلى استئصال ثدييها، أو ولدٍ إلى الإخصاء».

إحدى الدراسات التي استشهدت بها الدكتورة مريم تحمل عنوان «متابعة طويلة الأمد للمتحوّلين جنسياً الخاضعين لجراحة إعادة تعيين الجنس، دراسة حشدية في السويد»، وغطّت أكثر من 300 مشارك على مدى 30 عاماً، وقام بها فريق من ستة باحثين (سيسيليا ديجني وزملائها). وعلى عكس الترويج الواسع لجراحات تغيير الجنس خلال السنوات الأخيرة، لكن هناك شحّ مريب بالدراسات في العواقب طويلة الأمد المحتملة. وكان هذا أحد دوافع الفريق لإجراء الدراسة، وقد اختاروا نموذجاً من أكثر نماذج الدراسات الوصفية موثوقيةً، هي الدراسة «الحشدية»، وذلك بهدف «تقييم معدّلات كلّ من الوفاة والمِراضة وارتكاب الجريمة، لدى المتحوّلين جنسياً بعد تعرّضهم لعمليّات جراحية لتغيير الجنس».

أجريت الدراسة في السويد بين عامي 1973 و2003 وشارك فيها 324 شخصاً ممن خضعوا لجراحة تغيير الجنس، منهم 191 ذكراً تحوّلوا إلى إناث، و133 أنثى تحوّلن إلى ذكور. وتمّت المقارنة مع شواهد من السكان تم اختيارهم عشوائياً بنسبة 10 إلى 1.

نتائج خطيرة وانتحار

بعد انتهاء الدراسة كانت النتائج كما يلي: معدّل الوفيات الإجمالي لدى الذين أخضعوا لجراحات تغيير الجنس كان أعلى بـ 2.8 مرة من معدّل الوفيات لدى أقرانهم الذين لم يخضعوا لها من ذوي الجنس نفسه بالولادة (الشواهد في التجربة). وكان معدّل الموت انتحاراً أعلى لديهم أيضاً بنحو 19 ضعفاً مقارنة بأقرانهم الذين لم يخضعوا للعملية. وبالمثل كان معدّل إصابتهم بأمراض نفسية أعلى بعد الجراحة.

كما لاحظت الدراسة أيضاً أنّ المتحوّلين جراحياً من إناث إلى ذكور (وليس العكس) صار لديهم الخطر أعلى لارتكاب الجرائم مقارنةً بأقرانهم الذين لم يجروا هذا النوع من الجراحات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1143
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 16:53