لينين عن الإضرابات الاقتصادية والسياسية (2)
فلاديمير لينين فلاديمير لينين

لينين عن الإضرابات الاقتصادية والسياسية (2)

في تتمة مقال لينين بشأن الإضرابات، ينتقد عدداً من معاصريه الليبراليين والتصفويين ومحاولاتهم «الرامية إلى تشويه طابع الحركة»، ويتابع التأكيد على تنوّع أشكال التنظيم وينتقد مُحقِّري المطالب المعيشيّة.

تعريب: د. أسامة دليقان

السيد سيفيريانين، وهو ليبرالي، ساهم بمقال في صحيفة «روسكي فيدوموستي»، يقف فيه ضدّ «خلط» المطالب الاقتصادية مع «أية مطالب أخرى»! في إضراب الأول من أيار، ورحّبت صحيفة «ريخ» التابعة لحزب الكاديت بمقاله وأعادت طباعة مقاطعه الرئيسية، فقالت، إنّ السيد الليبرالي المحترم يكتب بأنّه «من غير المعقول غالباً ربط إضرابات كهذه مع الأول من أيار... في الحقيقة، سيكون غريباً فعل ذلك، إننا نحتفل بيوم العمال العالمي، ونستغل المناسبة للمطالبة بعلاوة عشرة بالمئة لهذه الرتبة الوظيفية أو تلك».
إنّ ما هو واضح بجلاء للعمّال، يبدو «غريباً» بالنسبة للّيبراليّ. فقط المدافعون عن البرجوازية وأرباحها الطائلة هم الذين يستطيعون أن يهزأوا بمطلب «الزيادة».
ولكن العمّال يعرفون أنّ الطابع واسع الانتشار لهذا المطلب، والطابع الشامل للإضراب، هو الذي يملك أعظم قوّة لاجتذاب العديد من المشاركين الجدد، لضمان قوّة الهجوم وتعاطف المجتمع، ولضمان كلّ من نجاح العمّال والأهميّة الوطنية لحركتهم. ولهذا، من الضروري النضال بحزم ضدّ التشويه الليبرالي الذي يبثّه السيد سيفيريانين، وروسكي فيدوموستي وريخ، وتحذير العمّال بكلّ طريقة ممكنة ضدّ هذا النوع من النصائح المؤسفة.

تنوّع أشكال التنظيم

السيد يجوف، وهو تصفوي، يكتب في العدد الأول بالذات من صحيفة التصفويّين «نيفكسي غولوس»، يقدّم بالمثل تشويهاً ليبرالياً خالصاً، رغم أنّه يقارب المسألة من زاوية مختلفة قليلاً. إنه يتناول على الخصوص الإضرابات التي أثارتها ضرائب الأول من أيار. الكاتب على صواب عندما يشير إلى أنّ العمّال غير منظَّمين بما يكفي، ولكنّه يقول ذلك ككلمة حقّ يراد بها باطل، ليصل إلى نتيجة شديدة الخطأ والأذى. إنه يرى غياب التنظيم في واقع أنّه بينما يُضرِبُ عمالُ أحد المصانع كنوع من الاحتجاج فقط، فإنّ عمال مصنع آخر يضيفون إلى ذلك مطالب اقتصادية وما إلى ذلك. ولكن في الواقع، هذا التنوع في أشكال الإضراب ليس مؤشّراً بحدّ ذاته على الافتقار إلى التنظيم على الإطلاق؛ ومن السخافة التصوّر بأنّ التنظيم يعني بالضرورة اتخاذ شكلٍ واحد! إنّ الافتقار للتنظيم لا يكمن إطلاقاً في الرُّكن الذي يبحث فيه ياجوف.

انتقادُ مُحقِّري المطالب المعيشيّة

والأسوأ لديه هو النتيجة التالية، «وبسبب هذا [يقصد بسبب تنوّع الإضرابات والأشكال المختلفة من توليف الاقتصادي والسياسي]، فإنّ المبدأ الأساس الذي ينطوي عليه الاحتجاج (وما استدعى الإضراب أساساً كان يتعلّق ببضعة كوبيكات) صار مشوّشاً في عدد معتَبر من الحالات، عندما جرى تعقيده بمطالب اقتصادية...».
هذا الكلامُ مُخزٍ ويثير السخط حقاً، وحجّةٌ خاطئة بالكامل وليبرالية بالكامل! فأنْ تعتقد بأنّ المطالبة «ببضعة كوبيكات» يؤدّي إلى «تشويش» المبدأ الأساس للاحتجاج إنما يعني الانحطاط إلى مستوى عضوٍ في الكاديت. على العكس، أيّها السيد ياجوف، المطالبة «ببضعة كوبيكات» أمرٌ يستحقّ الاعتراف الكامل به وليس احتقاره! على العكس، يا سيّد ياجوف، إنّ ذلك المطلب أبعد ما يكون عن «تشويش المبدأ الأساس للاحتجاج»، بل على العكس، إنّه يشدّد عليه! فإنّ قضية رفع مستوى المعيشة هي قضية مبدئيّة أيضاً، هذا أولاً. وثانياً، إنّ كلّ من يحتجّ، لا ضدّ واحد، بل ضدّ اثنين وثلاثة وإلخ من تجلّيات الظلم، فإنه لا يضعف بذلك احتجاجه بل يقوّيه. كلّ العمال يرفضون بشدّة التشويه الليبرالي المستفزّ للمسألة الذي يطرحه السيّد ياجوف.
والأمر ليس زلّة قلم منه، فهو يتابع بمزيد من الاستفزاز: «كان ينبغي على العمّال أنْ يستدلّوا من تجربتهم بالذات على أنّ من غير المنصوح به تعقيدُ احتجاجهم بوساطة مطالب اقتصادية، مثلما أنّ من غير المنصوح به تعقيدُ إضراب عاديّ بمطلب ينطوي على مبدأ».
هذا غير صحيح، وهو خاطئ ألف مرّة! لقد جلبت «نيفسكي غولوس» العار على نفسها عندما طبعت شيئاً كهذا. وما يظنّه السيد ياجوف غير منصوحٍ به هو المنصوح به بالضبط. فكلٌّ من الخبرة الذاتية للعامل وخبرة عدد كبير من العمّال الروس في الماضي القريب تشهد على عكس ما يَعِظُ به السيّد ياجوف.
الليبراليّون وحدهم من يستطيعون الاعتراض على «تعقيد» حتى أكثر الإضرابات «عاديةً» بواسطة «مطالب تنطوي على مبادئ». هذه النقطة الأولى. ثانياً، إنّ تَصفَوِيَّنا هذا مخطئ أشدّ الخطأ في قياس الحركة الراهنة بمسطرة قياس الإضراب «العادي».
والسيّد ياجوف يضيّع وقته سدىً في محاولة تغطية بضاعته الليبرالية المُهرَّبة تحت راية أخرى، وفي الخلط بين مسألة التوليف بين الإضراب الاقتصادي والسياسي من جهة، ومسألة التحضيرات لأحدهما أو الآخر، من جهة ثانية!
بالطبع من المرغوب به بشدة القيام بالتحضيرات والاستعداد، وعلى أكمل وجه، وبشكل ملموس وموحَّد وذكيّ وثابت قدر الإمكان. لا خلاف على ذلك. ولكن من الضروري، وعلى عكس ما يقوله السيد ياجوف، القيام بالتحضيرات بالضبط من أجل توليفة بين نوعَي الإضراب.
ويكتب السيد ياجوف: «إنّ أمامنا فترة من الإضرابات الاقتصادية. وسيكون خطأً لا يغتفر أن نسمح لها بالتوأمة مع الأفعال السياسية للعمال. فإنّ توليفة كهذه سيكون لها تأثيرٌ ضارّ على كلا النضالَين الاقتصادي والسياسي للعمّال».
ليس بوسع المرء أن يمضي أبعد من ذلك! فهذه الكلمات تبيّن بأوضح صورة أنّ التصفويَّ قد انحطّ إلى مستوى الليبراليّ العاديّ. فكلّ جملة تحتوي خطأً! ويجب علينا أن نقلب كلّ جملة إلى ضدّها حتى نحصل على الحقيقة!
ليس صحيحاً أننا مقبلون على فترة من الإضرابات الاقتصادية. بل العكس. ما نحن مقبلون عليه هو فترة مما هو أكثر بكثير من مجرّد إضرابات اقتصادية. إننا نواجه فترة إضرابات سياسيّة. إنّ الوقائع، يا سيّد ياجوف، أقوى من تشويهاتك الليبرالية؛ ولو أمكنكَ النظر في البطاقات الإحصائية المتعلقة بالإضرابات، التي أصدرتها وزارة التجارة والصناعة، لأدركتَ أنّه حتّى بيانات الحكومة تدحضك.
ليس صحيحاً بأنّ «التوأمة» ستكون خطأ. بل العكس تماماً. سيكون خطأ لا يغتَفَر لو أخفق العمّال في فهم اللحظة الفريدة العظيمة، والأهمية العظيمة والضرورة العظيمة والأهمية الجذرية العظيمة بالضبط «للتوأمة». ولحسن الحظ، يفهم العمّال هذا بشكل ممتاز، ويكنسون باحتقار مواعظ سياسيّي العَمل الليبراليّين.
وأخيراً، ليس صحيحاً بأنّ توأمة كهذه «سيكون لها تأثيرٌ ضارّ» على كلا الشكلَين. بالعكس، إنها تنفعهما كليهما. إنّها تقوّيهما.
ويلقي السيّد ياجوف محاضرة على «الرؤوس الحامية» الذين اكتشفهم على ما يبدو. فلنستمع: «من الضروري إعطاء شكلٍ تنظيمي لعواطف العمّال...». لا شكّ أنّ هذا صحيحٌ صحّةً مُقدَّسة! «من الضروري زيادة الدعاية من أجل النقابات، لتجنيد عناصر جديدة...». صحيحٌ تماماً – ولكن يا سيّد ياجوف، من غير المسموح اختزال «الشكل التنظيميّ» ليقتصر على النقابات فقط! تذكّر هذا أيّها السيّد التَّصفَويّ!
[يكتب ياجوف]: «هذا يصبح ضرورة أكبر نظراً لوجود العديد من ذوي الرؤوس الحامية بين العمال هذه الأيام، الذين ثارت فيهم الحماسة بفعل الحركة الشعبية ويتكلّمون في الاجتماعات ضدّ النقابات، زاعمين بأنها عديمة الفائدة وغير ضرورية».
هذا افتراء ليبراليّ على العمال. فليس «ضدّ النقابات» خرج العمّال – الذين كانوا وسيظلّون شوكةً في حلق التصفويّين. كلّا، إنّ العمّال كانوا يخرجون ضدّ محاولة اختزال الشكل التنظيمي إلى النقابات فقط، وهي محاولة واضحة جداً من جملة السيّد ياجوف السابقة. إنّ العمّال لم يخرجوا «ضدّ النقابات» بل ضدّ التشويه الليبرالي لطبيعة النضال الذي يخوضونه، تشويهٌ يجتاح مقال السيّد ياجوف بأكمله.
لقد أصبح العمّال الروس ناضجين سياسياً بما يكفي ليدركوا الأهمية العظيمة لحركتهم من أجل الشعب بأكمله. إنهم ناضجون كفايةً لكي يروا كم هي خاطئة ووضيعةٌ سياسة العمل الليبرالية ولسوف يكنسونها دوماً باحتقار.

(الجزء الأول)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1139
آخر تعديل على الأحد, 04 شباط/فبراير 2024 11:36