البكتيريا في عصر الأنثروبوسين... طاعون يحركه الربح

البكتيريا في عصر الأنثروبوسين... طاعون يحركه الربح

يشير إيان أنغوس وهو ناشط اشتراكي بيئي من كندا، في مقاله إلى أنه تمّ إغلاق مستشفى للولادة في رومانيا لأن تسعة وثلاثين من حديثي الولادة أصيبوا بمرض خبيث مقاوم للأدوية، وتم العثور على أحد عشر من الموظفين ناقلين للعدوى.
ترجمة وإعداد: رامان شيخ نور

 

وفي غزة، أصيبت جروح الآلاف من الفلسطينيين التي أطلق عليها الجنود الإسرائيليون بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ويمنع الحصار وصول الإمدادات الطبية اللازمة إليهم.
والأمر نفسه في باكستان والهند افغانستان، أصيب أكثر من خمسة آلاف شخص بسلالة من حمى التيفوئيد المقاومة لجميع المضادات الحيوية، تسببت سلالة جديدة من البكتيريا الشائعة «كليبسيلا الرئوية»، التي توصف بأنها مقاومة للأدوية، في وفاة أكثر من نصف المرضى الذين أصيبوا بها، ووجدت الاختبارات أن 56% من بكتيريا المكورات العنقودية تقاوم المضادات الحيوية المتعددة.
نادراً ما يمرّ يوم دون المزيد من الأخبار عن إصابة أشخاص بالتهابات أو أمراض معدية لا يمكن علاجها عن طريق أقوى الأدوية المتاحة. مقاومة المضادات الحيوية (AMR) هي أزمة صحية عالمية يقودها نظام الرعاية الصيدلانية والرعاية الصحية المخصص للربح فقط. بالإضافة إلى التغيّر المناخي المدمر، يمكن تعريف الأنثروبوسين بالأوبئة التي لا يمكن للطب علاجها.

«قنبلة موقوتة»

في عام 1876، كتب فريدريك إنجلز في كتابه دور العمل في تحول القرد إلى إنسان : «بيد أنه يترتب علينا ألا نغالي في تقدير انتصاراتنا على الطبيعة. فهي تنتقم منا عن كل انتصار نحرزه. يقيناً أن كل انتصار ينطوي بالدرجة الأولى على النتائج التي توقعناها، ولكنه ينطوي أيضاً بالدرجة الثانية والثالثة على مفاعيل مختلفة تماماً، غير متوقعة، تقضي في كثير من الأحيان على أهمية هذه النتائج الأولى».
ولكن الآن، تقول منظمة الصحة العالمية (WHO) إننا نواجه «مشكلة خطيرة للغاية لدرجة أنها تهدد إنجازات الطب الحديث». ويصفها كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، البروفيسور سالي ديفيز، بأنها «قنبلة موقوتة» ليس فقط للمملكة المتحدة ولكن أيضاً بالنسبة للعالم... يمكن القول: إنها مهمة مثل تغيّر المناخ.

نهاية للطب الحديث؟

مثل معظم الإنجازات العلمية في القرن العشرين، تم تطوير أدوية المضادات الحيوية أثناء الحروب. حيث اكتشف ألكساندر فليمنغ البنسلين في عام 1928، و حتى أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، عندما أظهر هوارد فلوري وإرنست تشاين من جامعة أكسفورد قيمته الطبية العملية وقررت الحكومة الأمريكية: أن الأدوية التي يمكن أن تنقذ الجنود الجرحى قد تساعد في كسب الحرب. تم دفع العديد من شركات الأدوية لتطوير تقنيات الإنتاج الضخم، وتم إدخال البنسلين لاستخدامه في ساحة المعركة في أواخر عام 1942. بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، كانت الحرب العالمية الثانية أول صراع كبير لم تتسبب فيه العدوى في معظم عمليات البتر والوفيات.
وبعد الحرب، عندما أصبح البنسلين متاحاً بشكل عام، تم الترحيب به باعتباره بداية معجزة لعصر جديد في صحة الإنسان. في عام 1948، كتبت عالمة البكتيريا ماري باربر: أن البنسلين كان بالفعل يعتبره الكثيرون مثل السحر، وكان مجرد رؤيته يكفي لجعل جميع البكتيريا ترتعش».
ولكن مع الزمن أصبحت مقاومة البنسلين، التي ظهرت على نطاق محدود في الأربعينات، مشكلة عالمية في الخمسينيات. فقدت المضادات الحيوية الأحدث قوتها بسرعة.
غالباً ما يتم وصف تاريخ المضادات الحيوية على أنه سباق تسلح بيوكيميائي- حيث تطور البكتيريا مناعة ضد الأدوية الموجودة، ويقوم العلماء بتطوير عقاقير جديدة، وتتطور البكتيريا مرة أخرى، وهكذا.
واستمرت هذه الدورة لبضعة عقود حتى تخلف العلم عن الركب. تم تطوير وإدخال أكثر من مئة مضاد حيوي مختلف في الخمسينات والستينات، ولكن آخر الإضافات الرئيسة إلى الترسانة صنعت في الثمانينات.
وانسحب معظم صانعي الأدوية من السباق بالكامل، مما أدى إلى القضاء على الأبحاث المتعلقة بالمضادات الحيوية وتطويرها لصالح أدوية أكثر ربحاً.
وفي الوقت نفسه، تستمر مقاومة المضادات الحيوية في الانتشار. تم استبدال الوعد بعالم خالٍ من الأمراض بتحذيرات من مسببات الأمراض الخطيرة، والتي تم إنشاؤها بواسطة نفس الأدوية التي كان من المفترض أن تنقذنا.
وتعد المقاومة المضادة للأدوية الآن السبب الرئيس الثالث للوفاة في الولايات المتحدة، حيث تقتل ما يقدر بنحو 162 ألف شخص سنوياً. والعدد أكبر بكثير في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ويلفت الكاتب إلى أنه قد حذرت لجنة خبراء عينتها الحكومة البريطانية من أنه في حالة استمرار الاتجاهات الحالية، فإن معدل الوفيات العالمي بسبب مقاومة المضادات الحيوية بحلول عام 2050 سيكون عشرة ملايين في السنة. وهذا موت كل ثلاث ثوانٍ، أي: أكثر من إجمالي عدد الموتى بمرضي السرطان والسكري.
وفي الآونة الأخيرة، أضافت منظمة الصحة العالمية مقاومة واسعة النطاق للأدوية. الآن، يصف بعض الباحثين بشكل غير رسمي بعض أنواع البكتيريا بأنها مقاومة تماماً للعقاقير، ولا عجب في أن منظمة الصحة العالمية تسمي حقبة ما بعد المضادات الحيوية «إمكانية حقيقية للقرن الحادي والعشرين».

«الخطر لا يتم توزيعه بالتساوي»

في عام 2010، كتب كارلوس فرانكو باريديس وخوسيه إجناسيو سانتوس بريسيادو: «بينما من المعترف به أن عبء مقاومة المضادات الحيوية يمثل تهديداً كبيراً لتكاليف الرعاية الصحية والنتائج السريرية للأمراض المعدية في البلدان الغنية بالموارد، فما بالك في التأثير على البلدان الفقيرة بالموارد، فقد تبين أنها مدمرة».
ومن المشاكل الاجتماعية في الشمال الغني، قانون الحياة في ظل الرأسمالية، فإن الأزمات الاجتماعية في الشمال الغني تصبح كوارثاً في الجنوب الفقير.
وفي حقبة الأنثروبوسين، عندما تكون آثار ارتفاع درجات الحرارة والعواصف العنيفة، وارتفاع منسوب مياه البحر شديد بشكل خاص في أشد البلدان فقراً، وتضر الفقراء بشكل أكبر مما تضرّ الأغنياء.
كما يقول مؤلفو تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن الأمراض المعدية، «من الناحية البيولوجية، نحن جميعاً في خطر- ولكن الخطر لم يتم توزيعه بالتساوي».
الأمراض التي تسيطر عليها المضادات الحيوية إلى حد كبير في الشمال، بما في ذلك السل والكوليرا، ليست مجرد وباء في الجنوب، بل إنها تحوّرت أيضاً إلى أشكال أصعب بكثير.
في البلدان الغنية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن 17% من الالتهابات البكتيرية تقاوم بعض المضادات الحيوية الآن.
هذه أخبار سيئة، لكن معظم المضادات الحيوية لا تزال تعمل معظم الوقت، وعادة ما تكون البدائل متاحة. إذا كنت تعيش في الشمال الغني وتعاني من التهاب الحلق، فمن المحتمل أن مضاداً حيوياً قد يعالجها. ولكن، كما يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2018 الصادر عن منظمة «Superbug Tide»، فإن الاحتمالات أسوأ بكثير إذا كنت تعيش في بلد أفقر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
917
آخر تعديل على الأربعاء, 12 حزيران/يونيو 2019 16:19