الآثار الصحية للتغير البيئي العالمي
نيت سيلتريتش نيت سيلتريتش

الآثار الصحية للتغير البيئي العالمي

لقد أصبحت التأثيرات البشرية على كوكبنا عميقة للغاية لدرجة أن العديد من الباحثين يفضلون الآن اسما جديداً للحقبة الحالية: الأنثروبوسين. تقوم الفرضية الأساسية لهذا المصطلح على أن كل منظومة بيئية على الأرض، من المحيطات العميقة إلى الغلاف الجوي العلوي، خضعت بشكلٍ أساسي لتعديلات كبيرة ناتجة عن النشاط البشري.


ترجمة جيهان دياب بتصرف

تثير هذه الفكرة والمفاهيم المرتبطة بها، القلق الشديد لدى كل من علماء البيئة والأحياء والمناخ. وبعد النظر إليها بعدسة الصحة البيئية_ التي تعترف بالصلات الحرجة بين صحة الإنسان وما يستهلكه من طعام وماء وهواء_ نجد أن تأثير الإنسان المتنامي على كوكب الأرض يهدد بقاء الكائنات الحية على المدى الطويل جداً، إذ نشهد الآن نقطة حرجة بدأ فيها استغلال البيئة يؤثر سلباً على صحة الإنسان. فقد بدأت الأنظمة الطبيعية نفسها التي استفدنا منها لفترة طويلة بالانهيار».

البصمة البيئية للبشرية
نتيجة لهذا الإدراك نشأ مصطلح آخر جديد: «صحة الكوكب» التي ترمز صراحة إلى أهمية النظم الطبيعية من حيث حالات الأمراض والضرر المحتمل الناتج عن الاضطرابات التي يسببها الإنسان للأنظمة الطبيعية.
يقول صامويل مايرز، وهو عالم أبحاث رئيس في قسم الصحة البيئية في هارفارد: «لقد تضخم حجم البصمة البيئية للبشرية بسرعة كبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، لدرجة أننا نؤثر على هيكل ووظيفة النظم الطبيعية بطرق تجعلنا الآن عرضةً للخطر في جميع أنحاء العالم»... «ولكن تأثيرنا يمكن أن يكون جيداً، إذ يتضمن إطار الصحة الكوكبية الإقرار بأن الإشراف البيئي المستدام على نطاق عالمي يمكن أن يفيد صحة الإنسان بشكل مباشر.
يُنسب إلى ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة المشرط «The Lancet» ، مصطلح «الصحة الكوكبية» في مقالة صدرت في آذار 2014 بعنوان «من الصحة العامة إلى الصحة الكوكبية: بيان رسمي: إن أنظمة كوكبنا تشكل تهديداً لوجودنا كأنواع»
الطريقة الأسهل لفهم كيفية اختلاف صحة الكوكب عن المجالات ذات الصلة، هي من خلال البحث نفسه. مثلاً، يقود كريستوفر غولدن، عالم الأبحاث في جامعة هارفارد، تحقيقاً حول الطرق التي تؤثر بها التغيرات التي يسببها الإنسان في المصائد العالمية على النظام الغذائي والتغذية، وبالتالي صحة الإنسان في جميع أنحاء الكوكب، وخاصة في الدول منخفضة الدخل بالقرب من خط الاستواء. ويشمل المشروع العشرات من الباحثين باختصاصات متنوعة، مثل: خدمات النظم الإيكولوجية، وعلم الأوبئة الغذائية، وعلم مصائد الأسماك.

خطر نقص التغذية
يوضح «تعليق الطبيعة» Nature commentary لعام 2016 من قبل غولدن وزملائه كيف يمكن أن يؤدي انخفاض أعداد الأسماك البحرية والتغيرات في توزيعها إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في الدول النامية. وقد قدّر المؤلفون أن 845 مليون شخص (11٪ من سكان العالم) معرضون لخطر نقص التغذية إذا لم يحصلوا على المأكولات البحرية نتيجة للانخفاض في مصائد الأسماك. ويرجع بعض هذه الانخفاضات إلى المتهم المعتاد في الإفراط في الصيد والتلوث والنمو البشري. لكن بحث «غولدن» يدرس أيضاً عاملًا أقل تأثيراً في انخفاض الأسماك الذي لا يعرفه كثيراً: الهجرة التدريجية للأنواع المحلية نحو المياه الباردة، مدفوعة بارتفاع درجات حرارة البحر.

نحو القطبين سِرْ!
توقع عمل سابق أجرته مجموعة في جامعة كولومبيا البريطانية أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات سيدفع مخزونات الأسماك والمحار المتبقية إلى القطبين، وسيقلص 17 منطقة صيد في المناطق الاستوائية بنسبة تصل إلى 30٪ بحلول عام 2050. وفي كولومبيا البريطانية على خط الاستواء سوف تهاجر الأسماك البحرية واللافقاريات ذات الأهمية التجارية والثقافية للدول الساحلية الأولى بمعدل وسطي يتراوح بين 10_18 كم  لكل عقد بحلول عام 2050، مقارنة بعام 2000، ومن المتوقع أن تتحول النوى السكانية باتجاه الشمال بمعدل 50_90 كم خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
يعتمد فريق غولدن على هذه النتائج من خلال إجراء دراسات الحالة الإقليمية في بنغلاديش ومدغشقر والفلبين وجزر سليمان وكولومبيا البريطانية. وسيسعى الباحثون، في كل موقع على حدة، إلى فهم سلسلة طويلة من التفاعلات التي تربط تأثير الإنسان على النظم الطبيعية إلى نتائج صحية غير متوقعة: فالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة المحيطات يؤديان إلى هجرة أنواع الأسماك، مما يؤدي إلى الطلب على مصادر غذائية بديلة، ويسهم في زيادة نقاط الضعف الغذائية والآثار الصحية.
بعد أن نشرت «مؤسسة لانسيت» التابعة لمؤسسة روكفيلر تقرير «حماية صحة الإنسان في عصر الأنثروبوسين»، بدأ هذا الحقل في تحقيق التقدم في المؤسسات التعليمية والحكومية في جميع أنحاء العالم. يقول مايرز:»إن النشاط البشري يعرقل النظم الطبيعية لكوكبنا بمعدلات متسارعة ويتحمل نسبة كبيرة جداً من عبء المرض العالمي، وينمو بشكل متزايد».
بالإجمال، أدخلت ما يقرب من 20 جامعة في جميع أنحاء العالم مفاهيم الصحة الكوكبية من خلال الدورات والمحاضرات والندوات، وغيرها من الأشكال على مستوى الدراسات العليا أو الجامعية على مدى العامين الماضيين.

صحة الكوكب
حتى الأمم المتحدة تتبنى صحة الكوكب كمفهوم. بالاشتراك مع مؤسسة روكفلر، أطلقت أمانة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ: الصحة الكوكبية في نوفمبر 2016. تم تصميم هذا المشروع لمدة ثلاث سنوات لتحديد طرق جديدة لموازنة صحة الإنسان والنظام البيئي جزئياً من خلال تسليط الضوء على المستوى المجتمعي للجهود التي أدت إلى فوائد ملموسة من تطبيق مبادئ الصحة الكوكبية.
يقول أوسوفسكي، أستاذ في جامعة كورنيل: «لتحقيق أهدافه، يحتاج الميدان أيضا إلى لعب دور نشط ومتعمد في تشكيل السياسة واتخاذ القرارات. مثلاً: عندما نفكر في مشاريع بنية تحتية كبيرة مثل: سد على نهر ميكونغ، وبملايين البشر الذين يعتمدون على مصائد الأسماك من أجل المغذيات الدقيقة والبروتين، وهذا أمر مهم للغاية_ ولكننا لا نقوم بتقييمات قوية لأثر الصحة العامة».. «إذا كنت تبني طريقاً سريعاً عبر الأمازون، فستحتاج إلى النظر بطريقة منهجية إلى ما يعنيه ذلك للأمراض المنقولة عن طريق الحشرات. ولكننا لا نفعل ذلك. يجب أن ننظر إلى إيجابيات وسلبيات هذه الإجراءات من حيث التأثير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتأثيرها على الصحة العامة.