البشرية كحقل تجارب
مروى صعب مروى صعب

البشرية كحقل تجارب

قد يقول قائل: أنه إن اكتفينا بالتدليل على كيفية استغلال الرأسمالية للبشرية جمعاء، قد نبدو سوداويين كثيراً، أو كمن لا يقيم منزلة عند اكتشافات أفادت البشرية وحيَّدتها عن الكثير من الكوارث والأمراض. ولكن هذا القول تلغيه وقائع كمية استغلال الرأسمالية للبشرية التي هي أوقح من أن تمنح نفسها الرحمة بالتحليل والتعليقات المجتزأة. وخصوصاً وكما يظهر أن البشرية قطعت شوطاً لا بأس به من الإنجازات التي تسمح لها بالعيش السليم والسالم، وهذا ما نواجه عكسه يومياً في تعامل العلم «السائد» معها.

في التجريب
يمكن لعدة أمثلة تلخيص كيف تعاملت الرأسمالية مع البشرية على أنها حقل تجارب في مختبراتها العلمية، وما تمثله العلوم التجريبية، المتمثلة بعلم الأمراض، والتعاطي مع هذه الاضطرابات والتغير المناخي مثالٌ. والتي تجسدت في السنوات السابقة بتخبط في العلاجات التي توصف للاضطرابات والتعدد في الأدوية والاكتشافات الجديدة التي تظهر كل حين عن هذا أو ذاك من الأمراض. فاذا غضضنا النظر عن سبب حدوث الأمراض او الاضطرابات عامة، واكتفينا بكيف يتم التعامل مع هذه الأمراض أو الاكتشافات العلمية كافة، أي أين تتم التجربة قبل أن تصبح اكتشافاً، يمكننا القول: إننا نعيش في حقل تجارب كبير. وإذا أخذنا مثلاً الفيروسات (مثل ايبولا) للتبسيط، الذي نشأ منذ عدة عقود وعاد ليظهر من جديد في القارة الإفريقية، بعد تصريحات بسببية ارتفاع معدل كثافة السكان والمشاكل في المجتمع والعالم كافة. فالفيروس الذي لا يزال يعيش حالة من اللغز في كيفية ظهوره وعمله داخل الكائنات الحية، وتناقله السريع وقدرته على القضاء على الكائنات الحية بشكل سريع. والذي في الوقت نفسه ظهر من لا شيء، لاغياً حتى حجج المناهج العلمية الرأسمالية نفسها، حول فكرة السببية في الاضطرابات. وما نسمعه حول الأسباب يكاد ينحصر في حجج «التخلف» والفقر في القارة الإفريقية، الناتجة عن عقلية هذه البلدان، وليس عن عقود من الاستعمار الذي لا يزال مسيطراً حتى بعد حركات التحرر الوطني التي عاشتها القارة.
البشر مادة الاختبار
المعضلة ليست في كيفية التعامل مع هذه الاضطرابات، أو الفيروسات التي تشكّلها، بل أيضاً في كيفية التعامل مع المصابين بهذه الاضطرابات. والاكتشافات أو التجارب التي تصدر دورياً، مبتهجة بحل «شيفرة» جديدة، كانت قد نظّرت بها أو عبرها طوال العقود السابقة. كما نظّرت بفشل النظريات التي عارضتها، والمتمثلة بالعلاقة بين العامل الخارجي والداخلي للجسد في ظهور الاضطرابات. والمعضلة أيضاً في الحلول المطروحة لهذه الاضطرابات، أكانت أمراضاً تحدث عبر خلل داخل الجسد عبر الطفرات أو عبر الفيروسات، التي تُطرح على المصابين دون قدرتها الفعلية على حل الاضطراب. والحلول المرتبطة بالاضطرابات الجسدية، مثل: الأدوية التي تعطى للفيروسات، التي لا تزال قيد الاختبار، ليس بسبب كون عمل الفيروس غير معروف، بل أيضاً كون العلاقة بين أعضاء الجسد داخلياً وعلاقتها مع الخارج مطروحة بطريقة مفككة في هذا الفكر، ما يجعل المصابين حقل التجارب في هذا الحل.
تغييب الوعي
تسود حالة من عدم الفهم فيما يتعلق بالاضطرابات وعلاجها، نتيجة عزل العلوم عن علاقتها بالمجتمع، واحتكاره من قبل القلة «المثقفة» و«العلمية». وبالمقابل تنشر ما يسمى «أجهزة الدولة الأيديولوجية»، أفكار وأقاويل عن الاضطرابات وعلاقتها بالفرد، مضللة بعض الحقائق العلمية، ومروجة لـ«علاج» بعد «علاج»، وكأنه لا حل في الأفق.
ليست مقولة «إما الفناء أو الاشتراكية» مبالغاً فيها كما يعلّق بعض «الواقعيين»، حيث الأمراض والعلوم والأدوية سوقٌ آخر من عالم بيع الأجساد والعقول ودليل مباشر على هذه الحقيقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
814