قراءة في كتاب قضـايا معاصرة في التعليم العالي

قراءة في كتاب قضـايا معاصرة في التعليم العالي

صدر عن الهيئة العامة للكتاب دراسة ضمن سلسلة دراسات فكرية، بعنوان «قضـايا معاصرة في التعليم العالي» بقلم الأستاذ الدكتور وائل معلا يتحدث فيها عن التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التعليم العالي بشكل خاص في مطلع القرن الواحد والعشرين أهمها تلبية الطلب المتزايد على التعليم العالي، وضرورة اتباع سياسة قبول جامعي جديدة تضمن المشاركة الواسعة والإنصاف في آن معاً.

وتحديث المناهج التعليمية في الجامعات بما يواكب التطور العلمي والمعرفي، وضمان جودتها باستمرار، ومواءمة هذه البرامج التعليمية مع متطلبات خطط التنمية وحاجات سوق العمل، وتطوير حاكمية التعليم العالي بما يحسّن الكفاءة الإدارية والعلمية للجامعات والمعاهد، وتأمين التمويل اللازم للتعليم العالي خاصة وأن توفير الاعتمادات المالية اللازمة له أصبح يشكل عبئاً كبيراً على كاهل الدولة، إلى آخر ما هنالك من تحديات تشكل عائقاً حقيقياً أمام تطوير المنظومة، الأمر الذي ينعكس سلباً على عملية التطوير الشامل.
ومن المفيد جداً في هذه المرحلة متابعة التطورات التي تحدث في هذا القطاع على الصعيدين الإقليمي والدولي. فنحن لا نعيش بمعزل عن التطورات الإقليمية والعالمية وإنما نتأثر بها ونؤثر فيها، ولا بد من مواكبة جميع هذه التطورات والاطلاع عليها وتحليلها، وتحديد نقاط ضعفها ونقاط قوتها، تمهيداً لإمكانية الاستفادة منها على الوجه الأمثل.
وفي الوقت الذي تزداد فيه التقلبات العالمية، تسعى المؤسسات العلمية والأكاديمية جاهدة لبناء كوادرها المعرفية من ذوي المؤهلات الرفيعة وذلك من خلال استقطاب المؤهلين تأهيلا رفيعاً والمحافظة عليهم، الأمر الذي سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى زيادة في التنافس على المواهب العلمية ذات التأهيل العالي في أنحاء العالم كله.

استقطاب المواهب العلمية

ويعد حملة الدكتوراه من بين أكثر المواهب العلمية التي تسعى المؤسسات لاستقطابها. وكما هو معروف جيداً، تعمل القوى العلمية والاقتصادية في الدول المتقدمة كمغناطيس لجذب تلك المواهب من البلدان النامية والمناطق الناشئة في بلدان العالم المختلفة. ونتيجة لذلك، تعاني البلدان النامية والعديد من المناطق الناشئة على حد سواء من ظاهرة «هجرة العقول» Brain Drain وما تجره من عواقب وخيمة على منظومة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا في تلك الدول.
بينما تخرج العديد من الجامعات في جميع أنحاء العالم أعداداً متزايدة من حملة شهادة الدكتوراه، بدأت بعض الجهات المسؤولة تتساءل فيما إذا كان الوقت قد حان لإبطاء خط الإنتاج هذا. تساؤلات عدة تثار حالياً حول عدد شهادات الدكتوراه التي يحب أن ينتجها بلد ما، ومستوى جودتها، ومدى مواءمتها لفرص العمل المتوفرة. وفيما إذا كانت الزيادة في عدد خريجي الدكتوراه ستكون على حساب نوعية هذه الشهادة العليا، وما إذا كانت عوائد الحصول على الدكتوراه تعوض تكاليف الحصول عليها.

الدكتوراه المتغيرة

وقد استرعى انتباهي مؤخراً مقال نشر في العدد الأخير من مجلة أخبار عالم الجامعات University World News الإلكترونية والتي تصدر في بريطانيا، يستعرض دراسة أعدها الدكتور ليس ريمر Les Rymer المستشار في سياسات التعليم العالي لدى مجموعة الثمانيةGroup of Eight في استراليا، وهي مجموعة مكونة من ثماني جامعات أسترالية ذات نشاطات بحثية مكثفة. بحثت الدراسة المعنونة «الدكتوراه المتغيرة» في ارتفاع عدد برامج الدكتوراه في جميع أنحاء العالم، والأسباب التي تجعل الدول ترغب بالمزيد من شهادات الدكتوراه، والتنوع المتزايد بين طلاب الدكتوراه، والقيود التي تواجها الجامعات في تمويل هذه البرامج، والجهود الحالية المبذولة لتحسين نوعية البرامج البحثية. وقد أظهرت الدراسة أن الصين هي الرائدة عالمياً في إنتاج شهادات الدكتوراه، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة لأول مرة في عام ٢٠٠٨. فبعد أن توقفت برامج الدكتوراه في الصين خلال الثورة الثقافية، أعيد تفعيلها في عام ١٩٧٨، ومنح العملاق الآسيوي منذ استئنافها حتى عام ٢٠٠٨ أكثر من مائتين وأربعين ألف شهادة دكتوراه، و توسع الالتحاق ببرامج الدكتوراه بنسبة ٢٤%  في السنة الواحدة. لكن عدد الأساتذة المؤهلين اللازمين للإشراف على برامج الدكتوراه في الصين لم يواكب هذه الزيادة الكبيرة في معدلات الالتحاق، ما أثار مخاوف من أن الزيادة في الكمية لم يقابلها ضبط للجودة. ويقول ريمر إنه يتوجب على كل أستاذ صيني مؤهل للإشراف على الدكتوراه أن يشرف على٥،٧٧ باحثاً، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي.