حقب تطور الحكومات الإلكترونية؟

حقب تطور الحكومات الإلكترونية؟

هناك دليل إرشادي تم اعتماده في الدورة السادسة لـ «القمة العالميّة للحكومات» يغطي الزمن الممتد من الآن وصولاً إلى عام 2071. ويحدّد ثلاث حقب للتطور والابتكار للحكومات هي: الوصل الرقمي (2018- 2030)، والاستكشافات الجديدة (2030– 2050)، والإنسانية المُتقَنَة (2050– 2071).

ويطرح الدليل الذي يعتبر خريطة طريق للحكومات في رؤية المستقبل والاستعداد له، تقويماً عموميّاً لتأثير كل حقبة على وظائف الحكومة في المستقبل، والتفاعل المستقبلي المتوقع بين الحكومة وجهات معنية تشمل المواطنين وقطاع الأعمال التجاريّة والمجتمع المدني.

وفي سياق استشراف الابتكارات المستقبليّة التي تنعكس على الخدمات الحكومية في السنوات الخمسين المقبلة يمثّل تحدياً كبيراً، تم تقويم أفضل التوقعات المستقبليّة المتصلة باثنتين من القوى الفاعلة الرئيسيّة وهما: التوجهات المجتمعيّة الكبرى، والتوجهات التقنيّة الكبرى.

إذ تشمل التوجهات المجتمعيّة الكبرى عوامل كتغيّر المناخ وندرة الموارد، والتحولات الديموغرافية الناجمة عن زيادة عدد السكان، والتوسع الحضري، وتغير التوزيع العمري للسكان ونمو الطبقة المتوسطة، والتحوّلات السياسية والأمن. وتتناول أيضاً التحولات الاقتصادية المتوقعة في أفريقيا، والتوسّع المتوقع للمدن الذكيّة، وتوسّع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإرهاب والجرائم الإلكترونية.

ويضاف إلى ذلك التحوّلات الاقتصاديّة المتصلة بالسيّارات الذاتية القيادة، والطيران المؤتمت، واقتصاد الوظائف المؤقتة، واقتصاديّات التشارك وغيرها. وتشمل التوجّهات عينها عوامل تتعلق بالحياة الاجتماعية، وتقنيات ربط البشر بالإنترنت، ورقمنة الوعي، والأجهزة التكنولوجيّة القابلة للارتداء، والمنازل الذكيّة المصمّمة للتجاوب مع حاجات شاغليها. وتشمل التحوّلات الاجتماعية الحصول على الرعاية الصحيّة، والقضاء على الأمراض الحاليّة، والتعامل مع ظهور أمراض جديدة، والألفة بين البشر والروبوتات، ومسألة حقوق الروبوت، والترفيه الافتراضي، والسياحة في الفضاء وغيرها.

توجّهات كبرى في مسارين متشابكين

تعتمد التوجّهات التقنية الكبرى وصولاً إلى عام 2071، على ركيزة أساسيّة هي التواصل عبر الـ «ويب»، وانتشار إنترنت الأشياء، وشبكة إنترنت الفضاء، وقواعد البيانات المتسلسلة، والخوادم المعتمدة على تقنية «حوسبة السحاب».

وفي مجالات الطاقة والمادة والفضاء، تأتي الطباعة الثلاثية الأبعاد («ثري دي برينتغ» 3D Printing) والتكنولوجيا النظيفة، والطاقة النوويّة، وتكنولوجيا الفضاء. وأخيراً يأتي الجسم البشري المتفاعل مع الواقعين الافتراضي والمعزّز، والإنسان المتصل تقنيًا بشكل دائم، وعلم الجينوم، وتقنيات النانوتكنولوجيا Nanotechnology.

ويتناول الدليل عينه التطوّر المرجح في وظائف الحكومة وصولاً إلى عام 2071، في ضوء تطوّرات تقنية متوقّعة، ورغبات المواطنين وتوقعاتهم، والابتكارات التي تنشأ عن ذلك. إذ يتوقع أن يتم التعامل مع هجرة اللاجئين تحت تأثير تغيّر المناخ، باعتبارها مسألة مؤكدة تعالجها الحكومات عبر استخدام ابتكارات كبرى في التصدي لمشكلات تشمل ارتفاع مستويات المياه في البحار والمحيطات، وتفاقم التصحر وغيرها. كما سيتعين تكييف القوانين مع تطوّر الذكاء الإلكتروني. وستكون الخدمات الحكومية التي يقودها الذكاء الاصطناعي واقعاً معيوشاً، ما سيحد من الحوكمة البشريّة. وستحتاج الحكومات إلى دمج التقنيات المتدفقة في علمياتها كي تظل فعّالة.

ويرصد الدليل التحوّل حاضراً من المدن الذكيّة الواعية إلى المدن المُدرِكة التي تتسم بقدرتها على إعلام المواطنين بالسياسة عبر أدوات تواصل جديدة، تشمل وسائط الذكاء الاصطناعي المنشطة بالصوت. وفي السياق عينه، يتوقع أن تنتقل الخدمات الحكوميّة من الارتباط بـ «إنترنت الأشياء» إلى إدارة المستعمرات الفضائيّة.

بمعنى ما، يبدو الدليل كأنه فيلم خيال علمي متخم بالتصورات الافتراضيّة والأحداث الوهمية والحلول الخياليّة. في المقابل، هناك من يرى أنّه بالفعل خيال علمي لكن من النوع متخم بالتصورات المدروسة والأحداث الحقيقية والحلول الفعليّة. وشرح محمد بن عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل ورئيس «القمة...» الأمر بالتفصيل. وقال: «ما كنا نظنه خيالاً علمياً في السابق أصبح اليوم حقيقة علميّة، وما كنا نظنه جماداً في وقت ماضٍ، دبت فيه الحياة حاضراً، وما كنا نظنه بلا عقل، يوشك أن يتفوق على العقول البشرية».

وأضاف أنّه من المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي في العام 2030 إلى الناتج العالمي الإجمالي ما يزيد على 15 تريليون دولار، أي أكثر من 10 أضعاف مبيعات النفط عالمياً.

ولفت إلى أنّ الشركات باتت تعرف حاضراً عن تفاصيل حياة الناس وعواطفها وطرق تفكيرها، أكثر مما تعرفه الحكومات. وأكّد أنّه «خلال خمس سنوات، ستتمكن التقنية من الدخول إلى العقل البشري والتواصل معه مباشرة. وستعرف التقنية بماذا نفكر ونشعر وكيف هي صحتنا في كل يوم، وما هي الأمراض التي سنتعرض لها في المستقبل. ستعرف ماذا يسعدنا وما الذي يقلقنا. وستكون تلك المعلومات ملكاً لشركات التي تضحي أقوى من الدول لأنها من يمتلك البيانات، وهو ما يجب على حكومات العالم أن تفكر فيه مليّاً وسريعاً».

يشار إلى أن باحثَينْ مختَصيّنِ في شؤون المستقبل في شركة «غوغل»، توقّعا إمكان نقل محتوى عقل الإنسان إلى شبكة المعلومات مع حلول عام 2045.

ألقت «القمة العالميّة للحكومات» ضوء قويّاً على مستقبل الحكومات وشعوبها. وطلبت أن تستعد حكومات الكوكب جيداً لترسم معالم المستقبل، لا أن تترك يد الزمان ترسمه قبلها، وتحدّد مصيرها.