الكورتيزول المضلل
بروس ماكوين بروس ماكوين

الكورتيزول المضلل

غالباً عندما يتم ذكر كلمة توتّر أو إجهاد، يخطر في بالنا «الاستجابة للكرّ أو الفر fight or flight respons». لكنّ ما يؤثّر حقيقة على صحتنا ورفاهنا هي التأثيرات الأكثر رقّة وتدريجيّة وطول أمد، والتي يفرضها علينا محيطنا المادي والاجتماعي: مثل أسرتنا وأحيائنا، أو متطلبات عملنا، أو نوبات العمل المتبدلة وإرهاق السفر، أو سوء النوم، أو العيش في بيئة ملوثة وصاخبة، أو أن نكون وحيدين، أو ألّا نحصل على كفايتنا من النشاط البدني، أو أن نأكل الكثير من الطعام الخاطئ، أو التدخين، أو شرب الكحول بإفراط. تسهم جميع هذه الأشياء في «الحمل وزيادة الحمل الاستتبابي Allostatic load and overload» (وهو زيادة استهلاك الجسم بتحميله فوق طاقته نتيجة اختلال توازن الوسطاء الكيميائيّين-الحيويّين مثل الأدرينالين والكورتيزول وبقاءها نشطة في الجسم أكثر ممّا ينبغي – لمعلومات أكثر: انظر مقال التوتّر السام – قاسيون)، عبر ذات الوسطاء الحيويين الذين يساعدوننا على التكيّف من أجل البقاء أحياء.

تعريب: عروة درويش

رغم أننا بتنا نعرف كلّ هذا الآن، فلا زلنا نسمع كثيراً بأنّ قياس مستويات الكورتيزول لدينا سيخبرنا بمدى توترنا أو إجهادنا. يعكس هذا الأمر لغطاً بالفهم على جميع الصعد. أولاً: إنّ قياس الكورتيزول وحده سوف لن يعلمنا بشيء من تقلبات مستويات الكورتيزول التي تصعد وتهبط خلال دقائق، وقطع هذه التقلبات يضعف اللدونة التكيفيّة الجارية داخل الدماغ. علاوة على ذلك، يتقلّب مستوى الكورتيزول طوال اليوم، فيعلو في الصباح ليوقظنا ثم يعود فينخفض، ويعود ليرتفع أثناء الغداء قبل أن ينخفض إلى أدنى مستوياته في المساء قبل الذهاب للنوم. يستوي هذا الإيقاع اليومي كنتيجة للحرمان من النوم أو بسبب أشكال معينة من الاكتئاب الشديد. إنّ من شأن إيقاع مستوي أن يخفف استجابة الكورتيزول التوتري التكيفيّة الشديدة، وكذلك القيام بتعزيز البدانة ومستويات الكوليسترول العالية، وتعزيز عناصر خطر السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. يقوم الكورتيزول بذلك بشكل جزئي عبر دفع الكبد لصنع المكونات اللازمة لترسيب دهون الجسم.

هناك عدّة طرق لقياس الكورتيزول من أجل تحديد ما إذا كان الإيقاع اليومي العادي قد خرج عن مساره. يمكننا أن نجمع عينات البول خلال الليل أو خلال النهار. يمكننا قياس الكورتيزول في شعر الجبين، والذي بإمكانه منحنا مؤشراً على إنتاج الكورتيزول لدينا خلال أيام. أو يمكننا قياس الكورتيزول في لعابنا في عدّة أوقات من اليوم، أو قبل، أو خلال وبعد حالة توتّر صعبة، مثل الحديث عن أمر شخصي أمام مجموعة من الغرباء. يعطينا التحدي الصعب صورة عن فاعليّة الاستتباب «Allostasis» لدينا (الكيفيّة التي يستجيب فيها الجسد للضغوط من أجل الحفاظ على الاستتباب)، والتي تتميّز بتفعيل استجابة الكورتيزول لدينا على التحديات عندما نحتاجها في سبيل التكيّف والاستتباب، وثمّ تخميدها عندما ينتهي سبب التوتر من أجل عدم إنتاج آثار ضارّة عكسيّة تؤدّي للحمل وزيادة الحمل الاستتبابي.

إنّ العجز عن تفعيل الكورتيزول عند الحاجة هو أمر سيء، ويترك الباب مفتوحاً ليقوم الجسم باستجابة التهابيّة يعوّض فيها عن النقص بطريقة معيبة. يمكن للكثير من الالتهاب أن يقتلنا عبر صدمة إنتانيّة مثلاً. والعجز عن إيقاف الكورتيزول بعد التوتّر قد ينتج آثاراً سلبيّة أيضاً. من بين العواقب الزيادة في إنتاج الدهون الذي يؤدي للبدانة والسكري والاكتئاب وأمراض القلب في نهاية المطاف، وهي جميعها تساهم في الحمل الاستتبابي.

ونظراً لحاجتنا إلى استجابة كورتيزول شديدة في مواجهة التوتّر، فإنّ سوء الفهم الثاني هو أنّ الكورتيزول هو بمثابة «الشخص السيء». لكن للكورتيزول دور فيزيولوجي طبيعي، فهو يساعدنا على التكيّف مع الضغوطات وينسق الأيض مع الأنشطة اليوميّة وأنماط النوم. لن نستطيع العيش لفترة طويلة أو بشكل حسن دون الكورتيزول. وكما اكتشف طالبي السابق فريداوس دابهار، وهو الآن أخصائي في علم مناعة الأعصاب في جامعة ميامي، فإنّ ارتفاع مستويات الكورتيزول في الصباح، بالتزامن مع الاستجابة للتوتّر والإجهاد، تنشّط الوظيفة المناعية بحيث يمكننا مقاومة الالتهاب وترميم الجرح. وبالمثل، فإنّ ارتفاع الكورتيزول «عند الاستيقاظ في الصباح» يساعدنا في الاستيقاظ ويجعلنا جائعين لتناول الإفطار ويعزز استجابة الجسم للتمنيع إن تنشطت في الصباح. إنّ استجابة الجسم هي مثل الأوركسترا التي تضمّ الكثير من العازفين الذين يجب عليهم أن يعملوا بتوائم.