الاصطفاف مع بايدن - ترامب من منظور طبقي
ريتشارد وولف ريتشارد وولف

الاصطفاف مع بايدن - ترامب من منظور طبقي

في الولايات المتحدة وفي معظم أنحاء العالم، أصبحت الرأسمالية هي النظام الطبقي السائد. أرباب العمل - أقلية صغيرة من السكان - يوجهون ويسيطرون على الشركات والموظفين/العمّال الذين ينتجون ويوزعون السلع والخدمات. ويشتري أصحاب العمل قوة عمل العمّال ـ وهم الأغلبية الساحقة من السكان ـ ويدفعونهم إلى العمل في مؤسساتهم. يجب عند النظر إلى الانتخابات الأمريكية أن نفهم الاصطفافات الطبقية وأسبابها ومآلاتها ضمن هذا التقسيم.

ترجمة: أوديت الحسين

تنقسم طبقة العمّال الأمريكية بشدة على المستويين الإيديولوجي والسياسي. أدّى تطور الرأسمالية الأمريكية بعد عام 1945 إلى تحطيم الوحدة الطبقية غير العادية التي تشكلت خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات. بعد الانهيار الاقتصادي في 1929 وانتخابات 1932، تجمع ائتلاف «الصفقة الجديدة» ذو العقلية الإصلاحية ودعم روزفلت مرشح الحزب الديمقراطي، وتمكن من خلاله من تحقيق مكاسب لطبقة العمال، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، وتعويضات البطالة، والحد الأدنى الفيدرالي الأول للأجور، وبرنامج كبير للوظائف العامة. بنى هذا قاعدة هائلة من الأنصار للحزب الديمقراطي ضمن طبقة العمّال.
تعززت الرأسمالية الأمريكية بسبب أن الحرب سمحت لها بإعادة بناء الرأسمالية العالمية وتركيزها حول الصادرات الأمريكية، والاستثمارات الرأسمالية، والدولار كعملة عالمية. قامت الولايات المتحدة بتأمين إمبراطوريتها الجديدة ببرنامج ووجود عسكري عالمي غير مسبوق. كان الاستثمار الخاص بالإضافة إلى الإنفاق الحكومي على كل من الخدمات العامة العسكرية والشعبية بمثابة انتقال من الكساد والحرب، إلى ازدهار نسبي مختلف تماماً، استمرّ من أواخر الأربعينيات إلى السبعينيات.
سهّلت أجواء الحرب الباردة تراجع ثم عكس الاتجاه اليساري الذي أحدثته أزمة الكساد الكبير في السياسة الأمريكية. تمّ تطهير اليسار داخل النقابات بالإضافة إلى شيطنة الأحزاب اليسارية والحركات الاجتماعية بلا هوادة. تمّ فصل المنظمات اليسارية عن الحركات الاجتماعية، وكلاهما عن طبقة العمّال ككل. دفعت الحرب الباردة كامل السياسة الأمريكية نحو اليمين. استفاد الحزب الجمهوري من خلال تأييده بقوة للحرب الباردة وجمع الأموال من أصحاب العمل المصممين على التراجع عن «الصفقة الجديدة». قلص الحزب الديمقراطي اعتماده السابق على النقابات وبقايا «الصفقة الجديدة» المحبطة والمعطلة. وبدلاً عن ذلك، سعى إلى الحصول على أموال من الشركات الغنية ذاتها التي تدعم الجمهوريين. عمّقت هذه التطورات اغتراب العديد من العاملين عن الحزب الديمقراطي أو الانخراط السياسي برمته. وسيطرت حلقة مفرغة من الهبوط، مع لحظات صعود مؤقتة بين الحين والآخر، على السياسة «التقدمية».

العمّال المغرّبون والرجل الأبيض

كانت فئة الذكور البيض من الطبقة العاملة هي الأكثر استفادة من مرحلة ازدهار ما بعد الحرب. بعد السبعينيات، أدت الأتمتة ونقل الإنتاج إلى تقويض وظائف العمّال، خاصة في التصنيع. في نهاية المطاف، انقلب هذا الجزء من طبقة العمّال ضد «النظام». أدّت الحرب الباردة إلى عزل وتقويض المؤسسات والثقافة اليسارية التي كان من الممكن أن تجتذب العمّال المناهضين للنظام. وكانت التعبئة ذات الميول اليسارية ضد النظام ككل نادرة «على عكس التعبئة الثانوية حول قضايا مثل الجنس والعرق والبيئة». وحتى في الآونة الأخيرة، لم يثر النضال العمّالي والنقابي المتزايد موضوعات مناهضة الرأسمالية المنهجية إلا بشكل ثانوي وهامشي.
انتهز الجمهوريون الفرصة لتحويل الازدهار المتلاشي في فترة ما بعد السبعينيات إلى ماضٍ أمريكي مثالي. تجنبوا بعناية إلقاء اللوم في هذا الاختفاء على الرأسمالية التي يحركها الربح، وألقوا باللوم على الديمقراطيين «والليبراليين» الذين تكلّف برامج الرعاية الاجتماعية الخاصة بهم تكاليف كبيرة على عاتق غير البيض. تحّولت أجزاء من طبقة العمّال المقتنعة بمثل هذا المنطق من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، ثم استجابت في كثير من الأحيان لشعارات ترامب. حفّز هذا الساسة الجمهوريين إلى تصوّر قاعدة جماهيرية جديدة محتملة أوسع كثيراً من مزيجهم التاريخي من الأصوليين الدينيين، ومحبي الأسلحة، والمتعصبين للبيض.
من خلال عدم توجيه النقد أو اللوم بعناية تجاه النظام الاقتصادي الرأسمالي، حصل الجمهوريون على الدعم المعتاد «المالي والسياسي والصحفي» من طبقة أصحاب العمل. وشمل ذلك أصحاب العمل الذين لم يزدهروا كثيراً من تحوّل العولمة النيوليبرالية، وأولئك الذين رأوا فرصاً أكبر وأفضل في التحول الاقتصادي القومي/الحمائي. تجمّعت هذه العناصر المختلفة بشكل متزايد حول ترامب.
إن الجزء الأكبر من طبقة العمّال الأمريكيين لم يدعموا «بعد» الجمهوريين، وقد بقَوا حتى الآن في أيدي الديمقراطيين. يعتبرونه أهون الشرّين، جاهلين أو متعامين عن تلقي هذا الحزب دعامته المالية بشكل خاص من الشركات المالية وشركات التكنولوجيا الفائقة التي قادت فترة العولمة النيوليبرالية بعد عام 1975 بشكل مربح. في الوقت نفسه، بدأ جزء آخر من طبقة العمّال الأمريكيين أيضاً في الانقلاب على النظام. احتفظ الحزب الديمقراطي حتى الآن بمعظم هؤلاء الأشخاص، على الرغم من أنّ العديد منهم تحركوا بشكل متزايد نحو «الأبطال التقدميين» مثل بيرني ساندرز.
اشتدّ العداء بين الحزبين الرئيسيين حيث أصبحت معارضتهما أكثر تطرفاً. يستمرّ هذا في الحدوث لأنّه لم يتم طرح أيّ حلول للمشاكل المتفاقمة التي تحدق بالولايات المتحدة. إن التفاوت الشديد في الثروة والدخل يقوّض ما تبقى من الشعور بالانتماء المجتمعي للأمريكيين. يلقي كلّ حزب رئيسي اللوم على الطرف الآخر في كل الأمور التي تسير على نحو خاطئ. ويستجيب كلاهما أيضاً لتدهور الإمبراطورية المتدهورة من خلال التحرك نحو اليمين. يرفض الطرفان إلقاء اللوم على الرأسمالية أو الرأسماليين في أي شيء. وبدلاً عن ذلك، يبنون نسخاً جديدة من شياطينهم القديمة.
تتظاهر خطط بايدن بأن الإمبراطورية الأمريكية ليست في تراجع. وفي عام 2024، يقدم المزيد من سياسات المؤسسة القديمة. ويتظاهر ترامب في الأساس بالشيء ذاته فيما يتعلق بالإمبراطورية الأمريكية، لكنه يختار بعناية مجالات المشاكل «على سبيل المثال، الهجرة، والمنافسة الصينية، وأوكرانيا» التي يمكن أن يمثّلها على أنها فشل في القيادة الديمقراطية. يعمل كل جانب على تعميق الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين. ولا يجرؤ أي منهما على الاعتراف بانحدار الإمبراطورية الأساسية على المدى الطويل والمشاكل الرئيسية. يعزز هذا عدم قدرة الجمهور على النقد والتغيير المنهجيين. كلا الحزبين يناشدان إلى ما لا نهاية السكان الذين تتعمق عزلتهم مع الانحدار المنهجي الذي لا هوادة فيه والذي يشق طريقه إلى الحياة اليومية للجميع ومتاعبهم. ويكشف كلا الحزبين على نحو متزايد عن عدم أهميتهما.
لا تقدم حملة أي من الحزبين حلولاً للانحدار الشامل. وكانت الحسابات الخاطئة الفادحة للاقتصاد العالمي المتغير وتقلص القوة السياسية الأمريكية في الخارج سبباً وراء السياسات الفاشلة التي انتهجها كل من الحزبين فيما يتصل بأفغانستان، والعراق، وأوكرانيا، وغزة. إن التحول نحو القومية الاقتصادية والحمائية لن يوقف الانحدار. هناك شيء أكبر وأعمق مما يجرؤ أي من الطرفين على التفكير فيه يجري الآن.
إن ترك البنية الطبقية الرأسمالية للإنتاج دون تغيير: أقلية من أصحاب العمل تهيمن على أغلبية العمّال - يمكّن تلك الأقلية من التراجع عن أي إصلاحات قد تحققها أيّ «صفقة جديدة». وهذا هو ما فعلته طبقة أصحاب العمل في الولايات المتحدة بعد عام 1945. لا بدّ أن يتضمن الحل الآن الانتقال إلى ما هو أبعد من التنظيم بين أصحاب العمل والعامل في مكان العمل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:15