حرب أوكرانيا هي حرب لأجل الدولار
أوليغ نيسترينكو أوليغ نيسترينكو

حرب أوكرانيا هي حرب لأجل الدولار

ترجمة: قاسيون

في الوقت الذي تُثار فيه مسألة نهاية سيادة الدولار، تقول إنّ الحرب في أوكرانيا ليست فقط حرب الدولار الأمريكي، ولكنّها ليست الأولى أيضاً.

في الحقيقة هذه ليست الحرب الأولى، وليست الثانية أيضاً بل الثالثة. الأولى كانت ضدّ صدّام حسين في العراق، والثانية كانت ضدّ معمّر القذافي في ليبيا، والثالثة اليوم ضدّ موسكو في أوكرانيا. السبب في افتتاح الحرب الثالثة خارج روسيا أنّ شنّ حرب على الأراضي الروسية ليس ممكناً، والحرب الهجينة هي الوحيدة التي يمكن شنّها ضدّ روسيا.

فيما يتعلق بأول حربين، فالعراق وليبيا كانتا دولتي طاقة كبيرة تجرّأت على التهديد بتعريض العملة الأمريكية للخطر. في شباط 2003 باع صدام حسين 3 مليارات برميل من النفط الخام مقابل أكثر من 25 مليار يورو. تمّ البيع باليورو وليس بالدولار، وبعد أقل من شهر غزت الولايات المتحدة العراق. في ليبيا كان القذافي رئيساً للاتحاد الإفريقي في 2009، واقترح قيام كامل القارة الإفريقية بثورة مالية بضرب هيمنة الدولار وإنشاء اتحاد نقدي عابر للدول الإفريقية. كان قد اقترح بيع النفط والموارد الطبيعية للقارة الإفريقية بالعملة التي اقتراحها «الدينار الذهبي». لو أنّ هذه التصريحات قامت بها دول لا تملك النفط، مثل بوركينا فاسو الغنية بالذهب ولا تملك احتياطات نفطية، لما كانت هناك مشكلة، لكن أن تعلن دول غنية بالنفط عن الأمر مشكلة كبرى، ولهذا كانت المشكلة الأمريكية مع روسيا غير قابلة للحل.

لكن ما دخل حرب أوكرانيا بالدولار الأمريكي بشكل أكثر مباشرة؟

هددت موسكو وضع الدولار الأمريكي على الساحة العالمية بشكل فعلي، وبالتالي هددت كامل الاقتصاد الأمريكي. منذ وصول بوتين إلى السلطة، بدأت عملية تسييل سندات الخزانة الأمريكية التي تملكها الدولة الروسية بالدولار. خلال خمسة أعوام، ما بين 2010 و2015، أنقصت روسيا ما تحمله من سندات الخزانة الأمريكية إلى النصف، لتتحول من أكبر حامل لسندات الخزانة الأمريكية في العالم إلى الأقل فعلياً اليوم.

في الوقت ذاته بدأ الاتحاد الروسي بفصل نفسه بشكل تدريجي عن نظام البترودولار عبر توقيع اتفاقات سداد بالعملات المحلية، بدءاً بالصين. حيث بدأ دفع ثمن كميات هائلة من الطاقة باليوان الصيني والروبل الروسي. كانت هذه هي بداية الحرب التي تمّ التحضير لها، والتي انطلقت بشكل علني في شباط 2022. في الوقت ذاته كان هناك اتفاق غير رسمي بين روسيا والصين لمزامنة أعمالهما المناهضة للولايات المتحدة. ضمن هذا السياق بدأت الصين تخلّص نفسها من كونها أكبر دائن للولايات المتحدة. في 2015 كانت الصين تحمل ما يزيد قيمته عن 1270 مليار دولار كسندات خزينة. اليوم تحمل ما قيمته 950 مليار دولار، وهذه أدنى قيمة خلال عشرة أعوام. الصين هي المنافس رقم واحد للولايات المتحدة، لكنّ روسيا هي من فعّلت عملية تحرير العالم من نظام البترودولار.

مع بداية ما أسميه «الطور النشط» للحرب في شباط 2022، وهي التي كانت قد بدأت قبل عشرة أعوام، بدأت روسيا والصين بشكل متناغم ورسمي – بعد نزع القناع – بدعوة البنوك المركزية حول العالم لإعادة التفكير باستثمارهم بسندات الخزينة بالدولار الأمريكي، أي إعادة التفكير بالقدرات الاقتصادية الأمريكية بكليتها. الدولار الأمريكي عملة «قرد». لا يوجد شيء وراءه، لا شيء ملموساً. القيمة الحالية للدولار لا علاقة لها على الإطلاق بالأصول الحقيقية التي يجب دعمها، ويتم الحفاظ على قيمته فقط من خلال الهيمنة العسكرية الأمريكية.

مع سير عملية نزع الدولرة، هل يمكن لليورو – الذي لا يبدو أنّ أحداً وقف ضدّه علناً – أن يكون بديلاً للدولار؟

لا يجب علينا أن نستهين بوزن اليورو ودوره المحتمل. ففي الماضي أراد صدام حسين كمثال بيع النفط باليورو بدلاً عن الدولار. كان بإمكان اليورو أن يلعب دوراً أكثر أهميّة من التي يلعبها اليوم، لكنني لا أملك أيّ إيمان بأنّ ذلك سيحدث بالفعل. لن يتمّ إدراك إمكانات اليورو، والسبب بذلك ببساطة أنّ السياسة الأوروبية خاضعة بشكل عميق للإرادة الأمريكية.

لن تسمح الولايات المتحدة لعملة تابعها بتخطيها. ومع مستوى الأداء المهلهل لكبار زعماء أوروبا – أو بالأحرى يجب تسميتهم بالقادة غير المسؤولين – فإنّ الأمريكيين وعملتهم ليس لديهم ما يخشونه من اليورو. إنّ مبادرات القادة الأوروبيين معادية لأوروبا ومعادية للمصالح الوطنية في معظم الأوقات لدرجة أنّهم يشبهون القناصل الفخريين للولايات المتحدة أكثر من أيّ شيء آخر. وكأنّ هذا ليس بالأمر الكافي، سيتولى البولنديون في 2025 رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي. بولندا هي وكيل مباشر، بل موظف، لدى الولايات المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. سيتولى البولنديون رئاسة الاتحاد ويفعلون كلّ ما هو ضروري للقضاء على أدنى مكاسب سيادية، وسيتمكن «المتمردون» المجريون تحقيقها العام المقبل عند رئاستهم للاتحاد الأوروبي. بحلول ذلك الوقت سيتم تقليص البقايا المتواضعة للغاية للحكم الذاتي الأوروبي، سواء العسكري أو الاقتصادي، ولن تكون أكثر من رمزية.

ليس من قبيل المصادفة أنّه لا توجد قوة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وحتّى روسيا والصين، تعترف بالاتحاد الأوروبي كمحاوِر جاد، وتفضّل التعامل بشكل مباشر مع الدول الأعضاء. على الصعيد الدولي ليس لمسؤولي بروكسل أيّ نفوذ سياسي، وهم مجرّد مانيكانات للاستعراض. لكنني لا أؤمن بأسوأ سيناريو للعملة الأوروبية، وهو الزوال. لأنّ سفينة اليورو قد أبحرت بالفعل بعيداً جداً في البحر، ولم يتبقَ لها وقت للعودة دون إغراق اقتصادات الدول الأعضاء. لكن بعد قولي هذا، أنا أكثر من مجرّد متشكك في أوروبا. لا يعني ذلك أنني ضد اجتماع الدول الأوروبية حول مركز أوروبي، فالتاريخ يظهر أنّ القوى المماثلة ذات الرؤى والقيم والأهداف المتشابهة تتحد دائماً في النهاية.

أنا لديّ مشكلة فقط مع المشروع بنسخته المتفائلة، الصورة المثالية شيء والواقع شيء آخر. إذا نظرنا إلى «انحطاط» المشروع الأوروبي الأصلي على مدى العقود القليلة الماضية، وخاصة منذ عام 2004، لم يعد من الممكن تجاهل حقيقة أنّ الاتحاد الأوروبي لم يعد أكثر من نوع من الهيدرا المختلة، ولك رأس أفكاره الخاصة. إنّه لمن دواعي السرور أن نلاحظ أنّ روسيا وحدها نجحت في الجمع بين هذه الرؤوس. الخوف والكراهية والرهاب هو ما جعلهم أقرب مع بعضهم البعض أكثر من أيّ شيء آخر في المشروع الأوروبي.

المثال هنا ألمانيا. تعاني اليوم الصناعة الألمانية – والتي يعتبر جزء كبير منها كثيف الاستخدام للطاقة بالفعل- من صعوبة كبيرة لأنّ تكاليف إنتاجها قد انفجرت ببساطة، ولا يواجه المنافسون المباشرون من غير الأوروبيين، بما في ذلك الأمريكيون، المشكلات التي خلقها الألمان لأنفسهم. في الاتحاد الأوروبي، الذي هو في الواقع الهدف الثاني الرئيسي للعقوبات الأمريكية ضدّ روسيا، تمّ بالفعل تقليص معظم مشاريع التعاون داخل المجتمع في المجالات العلمية والتكنولوجية والطاقة. على المدى المتوسط، تقدّر الخسائر الإجمالية لجميع دول الاتحاد الأوروبي نتيجة العقوبات المفروضة على موسكو بمئات مليارات اليورو. بشكل عام جميع من تبع المشروع الأمريكي يعانون وسيظلون يعانون من عواقب سلبية على اقتصاداتهم، وهي عواقب أكثر ضرراً بكثير من تلك التي ستواجهها روسيا في السنوات القادمة، فروسيا تمتلك بدائل لا يملكها الاتحاد الأوروبي ولن يملكها.

بتصرّف عن:
THE WAR IN UKRAINE IS THE WAR FOR THE DOLLAR

معلومات إضافية

العدد رقم:
1132