هل هناك أدوات أمريكية متاحة لمواجهة «بريكس»؟
تاياب بالوتش     إعداد: رنا مقداد تاياب بالوتش إعداد: رنا مقداد

هل هناك أدوات أمريكية متاحة لمواجهة «بريكس»؟

قدمت الرؤية الشاملة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا فرصة، من خلال خارطة الطريق المقترحة للسلام، لإنشاء تحالف اقتصادي للثلاثي النووي في آسيا (الصين والهند وباكستان). وهذا هو السبب الذي دفع روسيا لمحاولة سحب عمالقة الاقتصاد في العالم، الصين والهند، إلى الاقتصادات الناشئة في منظمة بريكس، لتشكيل منصة جديدة تستطيع تقليل الخلافات الداخلية من خلال المصادقة على التنمية الاقتصادية.

حاولت روسيا أن تجمع الصين وباكستان والهند، من خلال تزويدهم بآلية عمل ودية تحت مظلة كتلة الأمن الأوراسية ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، من أجل حل الخلافات عبر احترام سيادة الأطراف كلها، والحصول على الفوائد الاقتصادية المتبادلة من خلال التكامل الإقليمي.


يهدف هذا المقال إلى تغطية التحديات الجديدة الناشئة في عالم التعددية القطبية، من خلال التركيز على التهديدات التي يتعرض لها هذا العالم نتيجة «الحرب الهجينة» التي يقودها حلف «شمال الأطلسي» والولايات المتحدة، والتي تهدف إلى تخريب الشراكة الناضجة بين بلدان طريق الحرير والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
واشنطن في
مواجهة تعدد الأقطاب
أجبر استغلال الغرب المستمر لشعوب العالم- من خلال المؤسسات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي، وصندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (WB)- دول عدم الانحياز على إيجاد البدائل. والحقيقة أن سلطة هذه الأجهزة الغربية اكتسبت هيمنتها من خلال الأعمال التجارية العالمية ومن خلال موارد أخرى.
في هذا الصدد، اقترحت الدول الرائدة في العالم متعدد الأقطاب، بقيادة روسيا والصين (كدول تريد الخير والرفاه لغيرها من الأمم)، بإقامة نظام اقتصادي يستطيع مواجهة الهيمنة الغربية. ولهذا الغرض، تأسست منظمة شانغهاي للتعاون ككتلة للأمن في العالم الأوراسي، لمنافسة منظمة حلف شمال الأطلسي.
وتهدف الرؤية الصينية لطريق الحرير «حزام واحد، طريق واحد» إلى ربط اليابسة الأوراسية مع ممرات التجارة والطاقة، لمواجهة صندوق النقد الدولي واحتكار البنك الدولي، ولذلك، عملت أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم - البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- على تطوير شراكة اقتصادية سميت «بريكس». وعلاوة على ذلك، أضافت الصين ما يقارب من 60 دولة ذات ميول متعددة الأقطاب إلى بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية (AIIB). بحيث تصبح جميع هذه المؤسسات الناشئة مراكز قوة بديلة، تعمل على التحول البطيء لهذه القوى العالمية بعيداً عن المراكز الإمبريالية في العالم الغربي أحادي القطب.
إن التأسيس الناجح لهذه المؤسسات أثار مخاوف العالم أحادي القطب. ولذلك، تستخدم الولايات المتحدة دليل الحروب غير التقليدية (UW) لمنع انتشار التعددية القطبية في أنحاء العالم جميعها. وينص هذا الدليل للحروب غير التقليدية على أن «القصد من جهود الولايات المتحدة هو استغلال القوى المعادية في النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية جميعها، واستغلال أوجه الضعف النفسي من خلال تطوير ودعم القوى المقاومة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية». من الناحية التاريخية، تطلب المفهوم العسكري لتطبيق الحروب غير التقليدية دعم حركات عسكرية في المقام الأول من خلال سيناريوهات الحرب الشاملة. وفي حين لا يزال هذا المفهوم صحيحاً، إلا أن البيئة التشغيلية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تطلبت بشكل متزايد وجود القوات الأمريكية لإجراء الحروب غير التقليدية في سيناريوهات قصيرة (حروب محدودة).
الحرب الهجينة ضد «بريكس»
انطلقت الحرب الهجينة التي تقودها الولايات المتحدة ضد مجموعة «بريكس»، بعد أن أعلن قادة المنظمة إنشاء بنك جديد للتنمية (NDB) خلال قمة فورتاليزا في البرازيل، والتي هدفت إلى كسر احتكار واشنطن وول ستريت، ولندن، وبروكسل. إذ دفع الإعلان عن بنك التنمية NDB هذه المراكز الإمبريالية لشن حرب جدية، ونتيجة لذلك، دمرت رحلة الطائرة الماليزية 17 (MH17) في منطقة الصراع في أوكرانيا من أجل إلقاء اللوم على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتبرير فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا، وإلى جانب العقوبات، فإن الولايات المتحدة تحاول تضييق الخناق على روسيا من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية.
من خلال اتباع نمط مماثل، تحاول الولايات المتحدة إنشاء مشروع مشابه لمنظمة حلف شمال الأطلسي في آسيا، من أجل احتواء الصين. حيث يطوق الجيش الأمريكي الصين عن طريق إثارة النزاعات الإقليمية في المناطق المجاورة لها. ومع وجود مساعدة من اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الجيش الأمريكي يعمل على عزل الصين أيضاً بتسليح دول صغيرة ضمن محيطها.
وفي هذا السياق تماماً، تتعرض البرازيل الآن أيضاً للهجوم من خلال «الثورة الملونة» المرتبطة بشكل واضح بالحرب الهجينة. فقد أصبحت النخبة البرازيلية وسلطتها القضائية أداة لتغيير النظام في البلاد من خلال الاستخدام الفعال لوسائل الإعلام، كما يشهد على ذلك إقالة الرئيسة، ديلما روسيف.
الهند في سياق
الهجوم على «بريكس»
وصلت الحرب الهجينة ضد «بريكس» الآن إلى الهند. إذ أصبحت بعض تحركات رئيس الوزراء مودي لتقريب الهند إلى صف الولايات المتحدة والسعودية تثير تساؤلات بالنسبة إلى محور «بريكس» كاملاً. وجاء «التحول» في الدبلوماسية الهندية بعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر إلى القاعدة البحرية الهندية على متن حاملة الطائرات «إنس فيكراماديتيا» في مدينة غوا في شهر نيسان الماضي.
إلا أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تقدم بدائل لكسر الهيمنة الغربية على العالم، لذلك، إذا كانت الهند ليست على استعداد للعمل مع الصين (كما تشير بعض الخلافات بين الدولتين)، في هذه الحالة ربما ستكون روسيا فرصة أفضل لها. التاريخ  يشهد أن التوجه الهندي كان دائما نحو روسيا لمواجهة الصين، والآن، وقد انضمت روسيا والصين معاً لتأمين العالم من خلال توفير بدائل جديدة من المؤسسات العالمية متعددة القطبية، هذا الاتحاد الروسي-الصيني الجديد في الشؤون الدولية والقضايا الإقليمية يثير امتعاض بعض الرؤوس الحامية الهندية التي ترفض أية علاقة مع الصين، إلا أن ذلك لا يعدو كونه جزءاً قليلاً جداً من الرأي العام الهندي الذي يرى نفسه في قلب هذا التحالف الروسي الصيني.
لذلك، تحاول واشنطن جذب الهند عبرالتجارة والاستثمار، ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن التموضع الروسي مع الصين هو ضد الهند. كصديق مخلص، عملت روسيا لتقديم الفرص الكاملة للهند لجعلها على قدم المساواة مع الصين كجزء من عالم متعدد القطبية. من هنا، يبدو الطريق الوحيد متمثلاً في الفرصة المتاحة للهند والصين للحد من الخلافات بينهما من خلال «بريكس» ومنظمة «شنغهاي» للتعاون.