طريق الحرير الصيني.. ومستقبل ممرات النقل الروسية

لسنوات عديدة، كانت الموانئ الروسية على المحيط الهادئ وخط السكك الحديدية عبر سيبيريا، البديل الوحيد للطريق البحري من آسيا إلى أوروبا عبر قناة السويس. إلا أن إنشاء ممرات النقل التي تمر عبر كازاخستان، غيَّر الوضع. وفي السنوات المقبلة، من الممكن أن تتشكل حول مبادرة طريق الحرير الصيني، إلى خريطة أوراسية لوجستية جديدة.

منذ أكثر من قرن، استخدمت روسيا واستفادت من موقعها الامتيازي في النقل عبر القارات. وبالتحديد، كانت خطوط سكك حديد سيبيريا في القرن العشرين بمثابة «طريق الحرير» الذي يربط الشرق والغرب. ومع ذلك، فإن استخدام السكك الحديدية في الأعمال غير المجدية، مثل النقل، كان لفترة طويلة يعتبر مهيناً، وبالتالي، لم يحظ بحث إمكانات العبور على الاهتمام والتطوير الكافي والمطلوب. وكان استخدام الموانئ وسكك حديد الشرق الأقصى، مقتصراً على نقل المواد الخام وسلع الاستهلاك المحلي.

 

منذ وقت طويل، دارت الأحاديث عن أن احتكار روسيا لطرق النقل عبر القارات سينتهي عاجلاً أم آجلاً، وكان البديل الأكثر شهرة لفترة طويلة هو مشروع «تراسيكا»، الذي افترض نقل البضائع عبر غرب الصين، مروراً بكازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، ثم من خلال منطقة بحر قزوين وجنوب القوقاز وتركيا. ومع ذلك، لم يشكل هذا المشروع تهديداً خطيراً لسكة حديد سيبيريا. والأسباب التي لا تسمح حتى الآن بإنشاء بديل للطرق الروسية هي سياسية (عدم الاستقرار ومشاكل العلاقات بين الدول في المنطقة)، وجغرافية بحتة. وفي طريق الخطوط كلها يقف بحر قزوين حاضراً، ولعل هذا هو السبب في أن روسيا لم تأخذ التهديدات على محمل الجد.

«استنتاجات» إعلامية..

 على خط روسيا- الصين 

تمثل الحدث الأهم لنهاية عام 2015 بفتح ممر نقل من الصين، عبر كازاخستان وأذربيجان وجورجيا، مع خطط توسيع نطاقه ليشمل تركيا ثم إلى أوروبا، وأي مشاريع تتعلق بالصين الآن هي مرتبطة بالضرورة بمبادرة طريق الحرير، لذلك، ظهر استنتاج في وسائل الإعلام بأن «طريق الحرير الجديد لن يمر في روسيا».

لكن في الممارسة العملية، كالعادة، ظهرت فروق دقيقة. أولاً، في شكله الحالي، يستخدم هذا الممر العابر لبحر قزوين عبارة بحرية: أكتاو (كازاخستان) - علات (أذربيجان). وتالياً يبقى التحرك إلى تركيا أيضاً مستحيلا دون عبارة تنطلق من ميناء بوتي الجورجي. ولحين إطلاق سكة حديد أخالكالاكي - كارس بين جورجيا وتركيا (التي تصدر بانتظام وعود ببنائها منذ العام 2012)، فإن الوضع لن يتغير.

ثانياً، في طريق الشحن إلى أوروبا، ستواجه الشحنات أربع عمليات نقل للحاويات، وكلها تتعلق بالعبّارات البحرية، فضلاً عن أربعة حدود جمركية ستعبرها الحمولات. وبالإضافة إلى ذلك، في بعض البلدان، يسمح بتحميل حد أقصى من للوزن يختلف عنه في بلدان أخرى.

طرق النقل البري تتجاوز بحر قزوين عبر تركمانستان وإيران. السكك الحديدية شرق تركيا ضعيفة ومتخلفة، وهي أساساً مكونة من مسار واحد يمر عبر تضاريس جبلية. ومن أجل الوصول لإمكانيات نقل شبيهة بسكك الحديد عبر سيبيريا، هنالك حاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية. بعبارة أخرى، الشائعات عن موت الخط العابر لسيبيريا، كطريق لنقل السلع الآسيوية إلى أوروبا، مبالغ فيها.

طريق الحرير عبر روسيا

ستكون هناك إمكانيات أكبر لطريق آخر عابر للقارات، لا يتجاوز روسيا. فالشحنات المتجهة من الصين إلى أوروبا عبر كازاخستان وروسيا، ستقطع الحدود الجمركية مرتين فقط (من الصين إلى منطقة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومن ثم إلى الاتحاد الأوروبي)، ودون أي عمليات شحن إضافية، بالإضافة إلى أن قوانين الوزن واحدة من الصين وحتى بولندا. الحاويات المنقولة من تشونغتشينغ بالصين إلى هامبورغ في ألمانيا، ستصل أوروبا في فترة الأسبوعين نفسها، كما في حال الخط العابر ببحر قزوين، ولكن تكلفة النقل ستكون أقل. وبلغ إجمالي حجم النقل باستخدام السكك الحديدية عبر سيبيريا فقط في الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، 66 ألف حاوية.

في عام 2012، تم بدء استخدام خط سكك حديد بطول 293 كيلومتراً يربط بين مدينة خورجوس وجيتيغن، وبذلك، تم إنشاء ثاني معبر للسكك الحديد على الحدود مع الصين، بالإضافة إلى معبر دوستيك- الاشانكو. كما وقعت كازاخستان على اتفاق بشأن إنشاء مركز لوجستي مشترك بين كازاخستان والصين في ميناء ليانيونغانغ الصيني. وفي أوائل 2015، تم الإعلان رسمياً عن إطلاق قطار النقل من ليانيونغانغ إلى ألما أتا، والذي يقطع الرحلة في مدة 12 يوماً.

في كازاخستان، يتم تطبيق استراتيجية «نورلي جول» (الدرب المضيء)، وهي مشابهة جداً لأهداف وغايات المبادرة الصينية لـ«نطاق طريق الحرير الاقتصادي». وعلاوة على ذلك، الإعلان الموقع في سبتمبر/أيلول، خلال زيارة نور سلطان نزارباييف إلى بكين حول تعميق الشراكة الاستراتيجية، يتضمن فقرة عن اقتران «نورلي جول» بنطاق طريق الحرير الاقتصادي، الأمر الذي يمكن اعتباره رداً من أستانا على توقيع موسكو يوم 8 مايو/أيار، اتفاقاً حول اقتران الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بنطاق طريق الحرير الاقتصادي، الذي لم تتم دعوة الرئيس الكازاخستاني إليه (كما في الواقع، لم تتم دعوة غيره من القادة- الشركاء لروسيا في الاتحاد الأوراسي).

من الممكن القول أن الشرق الروسي وكازاخستان يحتلان مجالات مختلفة. ففي حين يتم عبر كازاخستان نقل البضائع الصينية حصراً، فعبر موانئ الشرق الأقصى الروسي وثم على السكك الحديد عبر سيبيريا، يتم نقل حمولات معظمها من المنتجات اليابانية والكورية. وعلاوة على ذلك، نمو حجم النقل، يأتي على حساب زيادة مشتريات دول آسيا الوسطى، ومعظمها من كوريا الجنوبية إلى أوزبكستان (67٪ من الحجم الإجمالي).

هل سيتجاوز

 طريق الحرير روسيا؟

مع ذلك، تدفع الأحداث الأخيرة في العالم العملاء المحتملين لخدمات النقل في روسيا، إلى استخدام الطرق التي لا تمر عبر هذا البلد. فبعد تعقيد العلاقات بين موسكو وأنقرة، بدأت الجمارك الروسية باحتجاز البضائع التركية العابرة إلى كازاخستان. ونتيجة لذلك، يتم نقل البضائع عبر أذربيجان وبالعبارات من خلال بحر قزوين الى أكتاو.

وبسبب إدخال نمط جديد لنقل البضائع الأوكرانية عبر الأراضي الروسية، أصبح نقل البضائع من أوكرانيا إلى كازاخستان شبه مستحيل. ونتيجة لذلك، بدأت شركات الشحن الأوكرانية بإرسال البضائع عبرجورجيا وأذربيجان وبالعبارة لقطع بحر قزوين.

لا تتوافق البنية التحتية للنقل بالعبارة الآن مع زيادة حجم حركة المرور. هناك نقص في العبارات. كما لم يتم ضم أذربيجان للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبالتالي، فإن مسار البضائع، يحتاج لتعاملات جمركية إضافية، ونظام تأشيرات، وهذا كله يؤدي إلى تباطؤ حركة المرور. ومع ذلك، في حال وجود طلب– سيتم تقديم العروض.

من الملاحظ في ذلك كله أن التعامل مع مناطق العبور والنقل بين روسيا والصين لا يجري على قاعدة التنافس بين الدولتين. أي أن الصين لا تنظر إلى روسيا على أنها تلك الدولة التي تتحكم بالممرات وطرق النقل، وينبغي بالتالي كسر احتكارها، بل تنظر الدولتان إلى بعضهما البعض على أنهما حلفاء بكل ما للكلمة من معنى. وهذا التكامل في التعاطي بين الدولتين هو ما لا تفهمه وسائل الإعلام التي تروج للأكاذيب حول وجود تنافس يحكم العلاقة بينهما.