معاناة العمال في الداخل والخارج
أديب خالد أديب خالد

معاناة العمال في الداخل والخارج

نتيجة لانفجار الأزمة السورية اضطر الملايين من السوريين للنزوح إلى المناطق الآمنة في الداخل ومنهم من هاجر إلى خارج البلاد وخاصة إلى الدول المجاورة، ورغم توقف العمليات العسكرية في أغلب مناطق البلاد استمرت موجات الهجرة نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وأهم سبب يعود إلى الهجرة هو تدني مستوى الأجور والرواتب سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث الراتب لا يسد سوى 3% من الاحتياجات الأساسية للمواطن مع ارتفاع مستمر في الأسعار خاصة المواد الغذائية ومع ما ترافق مع استمرار الحكومة بسياساتها الليبرالية الجائرة، ورفع الدعم ورفع أسعار حوامل الطاقة مما زاد من تكلفة الإنتاج على المنتجين في القطاعين الزراعي والصناعي أدت إلى خروج العديد من المنشآت عن العمل وتسريح عمالها وبالتالي ازدياد نسبة البطالة.

معاناة العمال في الداخل

العامل السوري الذي اضطر للنزوح في الداخل تعرض لاستغلال من قبل أرباب العمل واستغلال حاجته الماسة للعمل وفرضوا عليه أجوراً بخسة جداً وهو مضطر للقبول لأنه لا حل آخر لديه، خاصة إذا كان لا يملك حرية الحركة، كما اضطر آلاف من النساء والأطفال الذين أجبرتهم الظروف على ترك مقاعد الدراسة والخروج إلى سوق العمل لعدم كفاية أجر واحد في العائلة على توفير أدنى متطلبات المعيشة، وهؤلاء ليس لديهم أدنى خبرة في أي مجال عمل، ووجدوا أنفسهم فجأة في وضع اقتصادي مزرٍ لا يرحم وحكومة مهملة لواجباتها تجاه العمال، مضطرين للعمل لمساعدة الأزواج أو الآباء أو بسبب فقدان معيلهم بسبب الحرب، وقد عملوا في شتى المجالات حتى تلك الأعمال لا تتناسب وطبيعتهم كأنثى أو قاصر كمعامل وورش الحديد والنجارة والعتالة ومعامل المواد الغذائية وقسم صغير منهم وجد عملاً في المحلات التجارية بائعين أو مروجين للبضائع سواء بالتنقل بين المنازل أو من خلال التسويق الإلكتروني على النت مع حصولهم على نسبة ضئيلة جداً من الأرباح ومن دون رواتب أو أجور ثابتة، ومن دون أن يكون أية حقوق حتى تلك التي نص عليها قانون العمل من إجازات وحوافز ومكافآت وزيادة دورية للأجور كل سنتين، فهم يعملون كل يوم بيومه ومن يغيب عن العمل ليوم واحد يخصم من أجره مباشرة.

معاناة العمال في دول المجاورة

أما من أجبر على الهجرة خارج البلاد وخاصة إلى الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا والعراق والأردن فالحال ليست أفضل فبسبب ارتفاع نسبة الشباب السوريين المهاجرين ومع استغلال تلك الدول للأزمة السورية واستغلال حاجة العمال للعمل فقد فرض على العامل السوري أن يعمل بأجر هزيل جداً بينما أجر العامل المواطن أضعاف مضاعفة وهو لا يرضى العمل بالأجر الذي يتقاضاه العامل السوري ولا يرضى القيام بالأعمال التي يجبر العامل السوري على القيام بها، حيث لا يصل أجر العامل السوري في لبنان على سبيل المثال 300 أو 400 دولار في الشهر وهي لا تكفيه أساساً لاستئجار غرفة معيشة حيث يعيش العمال السوريون في غرف ومنازل مشتركة مع العشرات من أمثالهم العمال ومنهم من يسكن بالخيم ويعتمدون في معيشتهم على المساعدات الدولية ومع كل ذلك ورغم وجود سفارات سورية في البلدان المجاورة وبدلاً من أن تقوم تلك السفارات بعملها في تتبع وحماية العمالة السورية، نراها تنظر فقط إلى جيوبهم لتسحب منها آخر فلس من خلال ما يفرض عليهم من رسوم وأجور ومرتفعة على المعاملات القنصلية وفرض تصريف مئة دولار عند العودة إلى الوطن ولا تراعي أوضاعهم كمهجرين.
وفي العراق حيث أصبحت بعد استقرار الوضع فيها ملاذاً للمئات من العمال السوريين الذين توجهوا إليها للعمل، فلا يختلف الوضع هناك كثيراً حيث يعمل العامل السوري ب600 دولار أو 800 في أحسن الأحوال، وفي سبيل التخفيف من المصاريف يقيم السوريون عادة في أماكن العمل لتوفير بعض المال ليرسلوه إلى عائلاتهم في الداخل مع انعدام وجود أي حقوق عمالية لهم فهم يعلمون اثنتي عشرة ساعة في اليوم وليس لهم الحق في إجازات أو تعويضات ومن يرفد من عمله لا يوجد سوى الطرقات والحدائق لينام فيها ريثما يؤمن عملاً آخر، وهم محرمون من ممارسة حياتهم الطبيعية والاجتماعية وكأنهم في معتقلات أو معسكرات للعمل.

الحلم بفرصة عمل مناسبة

ناهيك عن آلاف من الشباب الذين دفعوا كل ما يملكون ثمن إقامة عمل في دبي أو أربيل كردستان العراق متأملين في الحصول على فرصة العمل المناسبة ولكنهم وقعوا ضحية أحلامهم الوردية عن تلك البلدان، فحتى حملة الشهادات لم يعثروا على عمل يناسب مؤهلاتهم ولم يجدوا سوى العمل في المطاعم والمقاهي والفنادق وبأجور هزيلة لا تتعدى 2000 درهم فقط وهي لا شيء بالنسبة لغلاء المعيشة في تلك البلدان.
ومع كل تلك المعاناة التي يتعرض لها ملايين العمال السوريين سواء في الداخل أو الخارج لم ترفّ للحكومة عين ولم تحرك ساكناً لتحسين أوضاعهم فإنها تستمر في نهب العمال في الداخل ولا ترى في هجرة العمال ومعاناتهم في الخارج أي مشكلة بالنسبة لها، مع أن البلاد هي الخاسر الوحيد من هجرة شبابها وكأنها ليست معنية بهم وليست مسؤولة عن شعب بأكمله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1142
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 23:08