الموقف الوطني وطريقة توزيع الثروة
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

الموقف الوطني وطريقة توزيع الثروة

قضية الأجور والرواتب ومعدل توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية لم تكن في يوم من الأيام مسائل ثانوية، وإنْ كان هنالك من يطالب دائماً بـ«تأجيلها» تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة! المعركة المستمرة منذ عقود...

تجاوز الفقر 90% من السوريين، والمجاعة باتت تهدد الملايين إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي للملايين بينما تراكم القلة القليلة مليارات الدولارات في البنوك الخارجية.
وهذه القضية العميقة والجوهرية باتت تظهر اليوم بوضوح وبشكل فاقع على السطح، والموقف منها يكشف خفايا البرامج السياسية والاقتصادية للقوى السياسية ومصلحة أية طبقة تخدم بالنهاية، ليس ذلك فحسب، بل وفي ظروف الاستنزاف المتعمد والمعلن الأمريكي والغربي لسورية، فإنّ هؤلاء القلة المتبطرة والناهبة، يصطفون سواء أعلنوا ذلك أم أخفوه في الصف نفسه الذي يستنزف البلاد وأهلها.
حول طريقة توزيع الثروة، يدور الصراع اليوم، وبالأمس، وإن لم يكن ذلك ظاهراً على السطح خلال سنوات الأزمة الأولى وما قبلها بسبب تغييب أغلب القوى السياسية الموالية والمعارضة موقفها منها عمداً، إما لصالح حديث عام أحادي الجانب في المسألة الوطنية، أو لصالح حديث شعاراتي أحادي الجانب أيضاً في القضية الديمقراطية.
وكانت هناك دائماً قوى تريد توزيعاً عادلاً للثروة بالتلازم مع القضية الوطنية والقضية الديمقراطية، بوصفها قضايا ثلاثاً متراكبة ومتداخلة ومتلازمة، وتعلنها صراحة في برامجها بينما أغلب القوى تريد الإبقاء على معدل توزيع الثروة الجائر ولكنها تريد حصتها من نهب الأغلبية المفقرة.

موقف النظام من توزيع الثروة

يتحدث النظام عن عدم قدرته على زيادة الأجور والرواتب بسبب عدم توفر الموارد حسب زعمه، ولكنه يعلم أن رفع الأجور يتطلب تغيير توزيع الثروة لمصلحة الأغلبية وهو ما لا يريده كما توضح الممارسة؛ فالموارد موجودة ولكن ممنوع الاقتراب منها، وهي حكرٌ على فئة معينة لا تمثل سوى أقل من 10% من السوريين، حيث تتماشى الحكومة مع عملية مركزة الفساد أكثر فأكثر، وتستر موقفها هذا بذريعة الأزمة وضرورات مواجهة المؤامرة الكونية التي تتعرض لها، والعقوبات الدولية، فيما توزع عبر النقابات المهنية والعمالية التي تسيطر عليها خطابات تحمل شعارات وطنية للفقراء كما تحدث أحدهم منذ فترة على أن العمال يعملون بوطنيتهم!

إجراءات بديهية

في الحقيقة، فإنّ النظام، وقوى الفساد الكبرى المتحكمة ضمنه، تعمل على استغلال العقوبات وانفجار الأزمة لصالحها لزيادة مستويات النهب وإفقار السوريين أكثر، فلو أن النظام كان بالفعل يريد التصدي للعقوبات ويسعى إلى رفع المستوى المعاشي للمواطنين، لعمد إلى استعادة هيبة الدولة والقطاع العام وتغيير مجمل سياسات البنك المركزي وخاصة فك ارتباط الليرة بالدولار والاستيراد بعملات الدول الصديقة، وحصر الاستيراد بيد الدولة وليس بيد حفنة من الحيتان الذي أكلوا لحم الناس حرفياً، ولكان رفع الأجور والرواتب، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي وهو ما كان سيخفض الأسعار كثيراً.
ناهيك عن تطبيق الدستور وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية لكشف الفساد والمفسدين وضمان استقلالية النقابات وإعطائها حرية العمل للتعبير عن مصالح منتسبيها ما يؤدي إلى تغيير موازين القوى في المجتمع.. وإلخ. ولكن هذه السياسات تضر بمافيات النهب والفساد التي تسيطر على جهاز الدولة وتسييره وفقاً لمصالحها وكل فترة تطل علينا بقوانين جزائية تكمم الأفواه أكثر بذريعة عدم السماح بالمساس بهيبة الدولة مع الإمعان في سياسة الإفقار عبر رفع الدعم عن المواطن وملاحقة البسطاء وإغلاق مصادر رزقهم (كما حصل مع أصحاب الأكشاك) وفرض مزيدٍ من الضرائب العشوائية على الشعب حتى وصل فرض الضرائب إلى مهنة نابشي القمامة وبائعي الخبز وعلى السندويش والطعام وحتى البندورة باتت حكراً على الطبقة المخملية كما صرح أحدهم وبكل وقاحة، وتعتمد الحكومة كما صرحت في أحد جلساتها على العمل الخيري وتنشيط عمل الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء وكأنهم لا ينتمون إلى هذه البلد وليسوا بمواطنين ولا حصة لهم في ثروات بلادهم.
إن قضية الأجور والرواتب ومعدل توزيع الثروة والموقف من العدالة الاجتماعية لا يقل أهمية عن الموقف الوطني من مقاومة الاحتلال الأمريكي والكيان الصهيوني وقضية تحرير الجولان وهو الذي يحدد وطنية أية قوى سياسية ومدى ثورية برنامجها وسعيها نحو التغيير الحقيقي الجذري والشامل لأن هذه القضية باتت تهدد بتفجير البلاد من الداخل وتشظّيها، وبتحقيق ما لم تحققه سنوات الحرب من استهداف لسورية وشعبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065