حقوق عمال (الخاص) ريشة في مهب الريح
سمر علوان سمر علوان

حقوق عمال (الخاص) ريشة في مهب الريح

بعد سنوات من البحث عن عمل، عثر محمد على ضالته أخيراً في واحد من معامل الأدوية التابعة للقطاع الخاص،  ولأنه سبق أن بدد سنوات عديدة من شبابه في البطالة وذاق مرارة انتظار مسابقات لم تأت، فقد قبل بالعمل الذي وجده بغير شروط ، مكتفياً بأجرٍ يدسه في جيبه آخر كل شهر، لكن وبمرور الأيام اكتشف الشاب الثلاثيني أي ظلم كان ينتظره حين عرف من زملائه أنه غير مشمول بالتأمينات الاجتماعية التي يفترض أنها حق لجميع العمال. 

 

ولم يكن محمد يعرف ما المقصود بالتأمينات الاجتماعية، إذ بدت له في بادئ الأمر مجرد مصطلح مبهم، لكنه اليوم وبعد أن قضى نحو ثمانية أشهر في العمل لصالح المنشأة التي يتحفظ على ذكر اسمها بات يعي تماماً حقيقة التهرب التأميني الذي يبيح لرب عمله التنصل من التزاماته المالية تجاه مؤسسة التأمينات، حيث يؤكد محمد أنهم اليوم نحو ثلاثين عاملاً غير مسجلين في التأمينات، وأنهم يتلقون تهديدات شبه يومية بالطرد من العمل لأي سبب كان، وفوق ذلك فهم محرومون من أي تعويض عند تعرضهم للإصابة أو المرض أو التسريح التعسفي. 

بالتعريف

التهرب التأميني يعني عدم قيام صاحب العمل بالوفاء بالتزامه بإجراء الاشتراك في التأمينات الاجتماعية عن العاملين الموجودين لديه جميعهم، أو الاشتراك عن جزء منهم، 

وفي القانون

صدرت عدة تشريعات تهدف إلى محاربة التهرب من التأمينات الاجتماعية لدى القطاع الخاص، منها قانون العمل رقم 17 وتعديلاته لعام 2011، وقانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته، حيث تنص المادة 18 من قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 على إلزامية التأمين على العمال والاشتراك عنهم لدى المؤسسة العامة للتأمينات، كما تنص المادة 93 المتعلقة بواجبات صاحب العمل على إلزامية تسجيل العاملين جميعهم لديه في التأمينات الاجتماعية أصولاَ.

وتبعاً للمادة 260 يعاقب كل صاحب عمل يمتنع عن تسجيل عماله بالتأمينات الاجتماعية بغرامة مقدارها (1.5) مثل ونصف الحد الأدنى العام للأجور عن كل عامل.

كما تشترط المادة 244  إخضاع المنشآت كافة وأماكن العمل المشمولة بأحكام هذا القانون إلى تفتيش العمل الذي يقوم به مفتشو العمل والتأمينات الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية الذين يسميهم الوزير.

أسباب ونتائج

وتعود أسباب التهرب بالدرجة الأولى إلى عدم رغبة رب العمل بتسديد الاشتراكات عن عماله إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية إذ يعتبرها مجرد عبء مادي لا طائل منه، في مقابل ضعف الرقابة التأمينية في بعض الأحيان، وعدم وصول مفتشي التأمينات إلى الكثير من المنشآت الصغيرة والكبيرة النائية  لبعدها أو عدم تحديد عنوانها بدقة ، ما يضعف القدرة على تغطيتها تأمينياً. 

ومن ناحية أخرى فإن كثيراً من العمال مضطرون للسكوت عن حقهم والتغاضي عن عدم تسجيلهم خوفاً من تهديد رب العمل بتسريحهم في حال عرفت المؤسسة عن طريق مفتشيها واقعهم.

ماذا عن المفتشين؟

يوضح محمد أن المفتشين باتوا على علم بمخالفات رب العمل لكنهم «بيقبضوا وبيغضوا نظر»، أو يقوم أحدهم بإخبار رب العمل بموعد «الكبسة» حتى يأخذ احتياطاته قبل أن «تقع الفاس بالراس»، فكثيرٌ منهم  ليسوا سوى طرف مستفيد من مظلمة، يدفع ثمنها كثير من العمال في مختلف منشآت القطاع الخاص. 

حقوق ضائعة

التهرب التأميني يتسبب في ضياع حقوق العمال وأسرهم، وهو يزيد من الغبن الواقع على عمال القطاع الخاص الذين تردت أوضاعهم منذ صدور القانون رقم 17 وتشريعاته المجحفة بحق العامل، كما يخلق نزاعات ومشاحنات تزيد من ضغوط بيئة العمل على العمال الذين أرغمتهم الظروف الصعبة على التخلي مكرهين عن كثيرٍ من حقوقهم المشروعة.