العمالة المنزلية مأساة وحكاية أسرية

العمالة المنزلية مأساة وحكاية أسرية

 في الأزمة خرجت الكثير من المعامل والمنشآت عن العمل ولم يبق إلا الورش والمعامل الصغيرة.. مما زاد نسب البطالة والفقر والتهجير والتعتير فأصبح المواطن العامل وغير العامل، المرأة والرجل وحتى الأطفال عرضة للنهب والاستغلال.. وخاصةً من العمل غير المنظم في الورشات الصغيرة، كالخياطة وغيرها، حيث دخل الاستغلال المنازل من الباب والنافذة و أصبح العمل المنزلي مرتعاً له وخاصة للمرأة.

عاملة أمبلاج

تقول أم محمد: أنا معلمة مهجرة وراتبي لا يكفي أيام لمعيشة أسرتي في ظل الغلاء وأصبحت الألف ليرة لا تساوي شيئاً، فبحثت عن مصدر آخر يساعدني في معيشتي وأن أحافظ على كرامتي، فوجدت ورشة خياطة في حيّنا.. وهم ليسوا بحاجة.. أو لا يريدون عاملة لديهم في الورشة، واتفقوا معي بأن يحضرون لي الألبسة التي ينتجونها «بيجامات» في أكياس، وأقوم مع ابنتي بتنظيفها من الخيوط وأضع عليها لصاقة وأضعها  في أكياس وأحصل عن كل واحدة ليرتان وربع أي 200 بيجاما وأحصل في اليوم حوالي 450 ليرة أنا و ابنتي، وأحيانا أضطر للاستغاثة بالجيران وخاصة أطفالهم، حسب الكمية التي يحضرونها لي إذا كانت كبيرة، لأنهم يحددون لي موعداً لاستلامها وأستطيع أن أنجز 20 واحدة في الساعة أي أجرتها حوالي 50 ليرة تقريباً، وطبعاً لا أحصل على مكافئات أو إعانات وهذه حالنا لكن كما يقول المثل: ما أجبرنا على المر إلا الأمرّ منه.. ريثما تفرج وتنتهي مأساتنا!

أم مجد عاملة إنتاج: تتشابه أم مجد مع أم محمد بأن كلتيهما مهجرتان وتختلف أم مجد عن أم محمد أنها مدرسة، لكنها تتقن العمل بالسنارة الذي ورثته عن والدتها، وكانت تُبدع فيه منذ أكثر من خمسين سنة وتنتج مفارش وأغطية نوافذ وطاولات بمختلف الرسومات والنقشات، لكنها هنا اقتصر عملها على نسج «الطواقي» الرجالية ويحضرون لها الخيوط، وتستغرق الواحدة نصف ساعة متواصلة وتنال عليها 25 ليرة فقط.. وتستطيع العمل حوالي ساعتين أو ثلاث في أحسن الحالات أي 150 ليرة باليوم، وتقول عالقليل أؤمن ثمن الخبزات، لكن هذا العمل يرهقني وأضطر إلى لبس النظارة.. وطبعاً أيضاً لا مكافئات ولا مساعدات... وتباع الواحدة في السوق حوالي 500 ليرة لأنها صناعة يدوية ومميزة وربما أكثر لأنها تصدر للخارج، وهي لا تستطيع الاستعانة بأحد لأنها تحتاج مهارة وإتقان وتدريب، وكما تقول: الرمد أحسن من العمى...

لا شك أن العمالة المنزلية من نتائج الأزمة والسياسات الحكومية ولجأ إليها أصحاب الورشات كعمالة رخيصة ولا تكلفهم شيئاً فلا تأمينات ولا أجور ثابتة ولا ضمان صحي.. ولا رقابة تتابعهم وتحاسبهم.. إنها البطالة والفقر والجوع والتهجير....