العامل هو الخاسر الأكبر

العامل هو الخاسر الأكبر

استهدفت الحرب الدائرة في سورية منذ 5 سنوات وبشكل رئيسي القوى المنتجة وأدت إلى تدمير الكثير من المنشآت الصناعية التي  كان يعمل بها الآلاف، والذين أصبحوا اليوم معطلين عن العمل. حيث أشار أحد التقارير غير الرسمية إلى أن معدل البطالة في سورية وصل في نهاية العام الماضي 2014  إلى نسبة 57.7 بالمئة، إذ فقد نحو 2.96 مليون شخص عملهم خلال الحرب، «الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12،22 مليون شخص».

حرب وهجرة وبطالة 

لقد أدت الحرب إلى نزوح أعداد كبيرة من كوادرنا العمالية والتي كانت  تمتلك خبرات ممتازة في شتى المجالات وكانت الصناعة السورية تعتمد عليهم.  

كما أدت الحرب إلى إغلاق وتدمير ما تبقى من الورش التي نجت من الحرب الليبرالية والتي لقيت حتفها الآن في الأزمة. 

كما زجت الحرب بالآلاف من العمال في أتون الحرب على امتداد مساحة الوطن وجعلتهم وقوداً لها.

ومن تبقى من العمال الذين ما زالوا على رأس عملهم ويعملون في القطاع  «العام والخاص والمشترك» يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة حيث أن الأجر الذي يتقاضونه لا يسد جزءاً يسيراً من احتياجاتهم ولا يغطي تكاليف معيشتهم وأسعار مواصلاتهم إلى أماكن عملهم، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، كما أنهم يعيشون رعباً متواصلاً من الفصل التعسفي حيث يشكل الفصل التعسفي تهديداً جدي للعمال وله عدة أشكال ومسميات.

والكثير من عمالنا يعملون «عملين» حتى يستطيعوا تأمين الحد الأدنى من المعيشة الذي يحفظ  لهم حياتهم.

 كان لنا لقاء مع عدد من العمال القائمين على رأس عملهم وعمال أخرون فقدوا عملهم. 

على قيد الأمل!؟؟.

عمر عامل طباعة يعمل في القطاع المشترك، يقول: اتفقنا مع إدارة المطبعة على أن نعمل ثلاثة أيام في الأسبوع في كل يوم «8 ساعة» وتكون ساعات  دوامنا الرسمي من ضمنها، وأعمل أيضا في عمل أخر حتى أتمكن من إعالة أسرتي وأدفع أجار الغرفة التي استأجرتها بعد نزوحي وتهدم بيتي.

كما حدثنا محمد وهو طالب جامعي يعمل أيضاً في مهنة الطباعة: إنه الآن بصدد الهجرة، والسبب أن الراتب الذي يتقاضاه لم يعد يغطي مصاريف دراسته ولا مصاريفه الشخصية وهو للعلم رئيس قسم ولديه خبرة في مجال الطباعة.

جمال يعمل في إحدى المنشآت في ريف دمشق، فضل عدم ذكر مكان عمله،  يقول: كان يعمل في المعمل العديد من أبناء قريتي  وعددنا كان يصل إلى 40 عاملاً، ومع بدء الأزمة بدأت الطرقات تغلق وكنا لا نستطيع الوصول إلى مكان عملنا وأحياناً كنا مضطرين إلى التغيب عن العمل بسبب الظروف الأمنية، وكانت إدارة المنشأة تتعامل مع الأمر بفصل كل متغيب، والحجة كانت  نحن لا نعلم إن كان  هذا العامل صادقاً أم كاذباً ويشارك بأعمال تخريبية، ونحن كعمال لا نستطيع أن نفعل شيئاً حيث أن قانون العمل يسمح لرب العمل بفصلنا متى شاء.

 وإني أصدقك القول بأنه لم يتبقّ من الأربعين عامل غيري، وسبب استمراري أني نقلت سكني إلى مكان قريب من عملي، ولا أدري ماذا جرى بزملائي « ولوين أخدتهم الحرب». 

سامر بائع حقائب في البرامكة، يقول: كنت أعمل أنا وإخوتي  قبل الأزمة بمهنة الخياطة في منطقة حرستا، وكان لدينا ورشة صغيرة، وكنا قبل الأزمة نتدبر أمورنا، «يعني كانت ميسورة» واليوم نعمل على بسطة بعد أن دمرت أملاكنا.

عبدو يبيع الدخان  تحت جسر الرئيس، يقول: كنت أعمل في معمل لصناعة البلاستيك وكان عملي صعباً من حيث الراتب وساعات الدوام وكنت أعمل 12 ساعة لكنني كنت مطمئناً بأن لدي راتب ثابت.

فكرت، يقول: كان لدي ورشة تصليح ألمنيوم وأنا اليوم أتنقل بحقيبتي للتصليح فقد طبعت رقمي ووزعته على مداخل الأبنية «بدي اشتغل شو ساوي الحياة صعبة».

عدنان كان يعمل في معمل نسيج على ألة سمبا ندكس، وحالياً عاطل عن العمل، يقول مع بداية الأزمة أصبح صاحب العمل يخفض أجورنا وفي ما بعد فصلنا من العمل، بحجة أنه خاسر ولا يستطيع دفع أجورنا.

ماهر، عامل خياطة في القطاع الخاص، هاجر إلى ألمانيا مؤخراً، شارك في أواخر عام 2011 بتنظيم إضراب عن العمل للمطالبة بدفع الرواتب المتأخرة واحتجاجاً على سياسة الشركة في دفع الرواتب، على مبدأ نصف بنصف ورفع العمال شعارات منها «القبض أو الشحادة» و «أمبلاج وخياطة هاد راتب مو رياضة»، اضطر ماهر كغيره من الشباب  إلى الهجرة حيث سافر في بداية الأمر إلى لبنان، وفيما بعد إلى تركيا وعمل في مهنته، ومن ثم هاجر إلى ألمانيا وهو اليوم عاطل عن العمل.

لن نستطيع أن نختصر عذابات العمال خلال الأزمة في بضعة أسطر ولكنها تقدم لنا صورة ما، عن بؤس العمال وما آلت إليه أوضاعهم.