الوزير لا يملك القرار.. ماذا بيد العامل؟
نزار عادلة نزار عادلة

الوزير لا يملك القرار.. ماذا بيد العامل؟

منذ تشكيل حكومة «الحلقي» الجديدة وشعارها الذي يتردد يومياً، محاربة الفساد والإصلاح الإداريّ، وهذا الشعار ليس جديداً، لقد طرح منذ أكثر من ثلاثة عقود من الحكومات السابقة، ومن الإدارات والنقابات، وشكلت لجان وقدمت دراسات وعقدت ندوات وجرت حوارات، وطرح في هذا الاتجاه مشاريع عديدة.

لقد حصدنا نتائج هذا الإصلاح من خلال اقتصاد السوق، والاندماج في الاقتصاد العالميّ بحجة إخفاق التنمية التي قادتها الدولة والخسائر التي مني بها القطاع العام، وعدم توفر إيرادات كافية لمواجهة النفقات المترتبة على قيام الدولة بالخدمات الاجتماعية، وتراجع الإنفاق الاستثماري وهذا يعني التراجع عن الدور التنموي للدولة، وقد أدى ذلك إلى الضغط على إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام، وتحرير التبادل التجاري الذي أدى إلى صعوبات وتحديات للقطع العام وللقطاع الخاص المنتج بالإضافة إلى البطالة الموجودة. تم بذلك ضرب القطاع العام في الصميم، وكساد الإنتاج في القطاع الخاص، وقد أدى ذلك إلى إغلاق مؤسسات عديدة مع تفاقم البطالة.
إفقار الفقراء
تراجع دور الدولة في الإنفاق على الصحة والتعليم مع عدم وجود تعويض بطالة أو معونات اجتماعية بالإضافة إلى انعكاسات أخرى يحصد ثمارها أكثرية المواطنين وبشكل عام كانت: إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء.
اتحاد العمال في مؤتمره الـ25 والذي عقد في تشرين الثاني 2007 طرح موضوع الإصلاح الإداري وأوجزه بإصدار مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي، وتفعيل دور المجالس واللجان الإدارية وإعطاء المرونة والصلاحية لهذا المجلس. إيجاد آلية اختيار وتعيين للإدارات العليا والوسطى تعتمد بشكل أساسي على معياريّ الكفاءة والنزاهة، وأن يكون للمؤسسة دور في اختيار هذه الإدارات، بالإضافة إلى إصدار نظام لتقييم المؤسسات، والإداري يعتمد على حزمة واسعة من المؤشرات أهمها الإنتاج وتطوره، ومؤشرات المخازن والسيولة والمديونية، والمبيعات وتعزيز اللامركزية الإدارية. كما تم طرح تطبيق نظم التكليف المعيارية، وإصدار نظام محاسبي جديد يأخذ بعين الاعتبار عيوب النظام الحالي، ويتلاءم مع المعايير المحاسبية العالمية المتعارف عليها، ويأخذ بعين الاعتبار التطور التقني والمعلوماتي وكذلك الإمكانية المستقبلية لقيام حكومة الكترونية.
عناوين أخرى
طالبت قيادات نقابية أخرى وما تزال باتخاذ إجراءات عديدة أبرزها: وضع خطة مركزية للتأهيل والتدريب برعاية وإشراف وزارة الدولة للتنمية الإدارية ينبثق عنها خطوط فرعية ومؤسسية تهدف إلى تحسين إنتاجية العاملين في القطاعين العام والإداري، وتكوين الكوادر في الصف الثاني على أسس علميّة حديثة بما يخدم أهداف تطوير أداء الاقتصاد الوطني. والعمل بشكل حثيث على اجتثاث الفساد والروتين والبيروقراطية وفق أسس ممنهجة تشارك فيها قوى الحراك السياسي كافة والمنظمات الشعبية والسلطة التشريعية والقضائية إلى جانب السلطة التنفيذية وباستخدام أساليب إدارية ورقابية متناسقة. مع تطور البنى التنظيمية لإدارات الدولة والقطاع العام انسجاماً مع إعادة صياغة دور الدولة الاقتصادي – والاجتماعي.
الفريق الاقتصادي
كانت الحركة النقابية وقوى سياسيّة عديدة في واد، والفريق الاقتصادي في حكومة العطري في واد آخر، وبادر الفريق الاقتصادي حينها إلى استصدار مجموعة من القوانين والتشريعات مواكبة مع اقتصاد السوق منها (تأسيس مصارف والأوراق المالية، اتفاقات مع دول عربية وأوربية لفتح أسواق للصادرات السورية واستيراد أنواع السلع كافة، إلغاء الدعم، طرح شركات القطاع العام على الاستثمار، تراجع الإنفاق الاستثماريّ.. وإجراءات عديدة أخرى).
كما طرح الفريق الاقتصادي «فصل الإدارة عن الملكية» وهو يقصد تعيين إدارات في شركات ومؤسسات القطاع العام من خارج هذه المؤسسات، إن فصل الإدارة عن الملكية جوبه برفض واسع من أطياف سياسية واقتصادية ونقابية، إذ سألنا يومها: هل سيستورد الفريق الاقتصادي إداريين من دول أوربية أو من البنك الدولي ومن منظمات أخرى كما يبدو؟!.
كيف الإصلاح؟
تأسست معاهد للإدارة إذ أقيمت دورات لمدراء وكثرت الشعارات التي تطالب بالإصلاح الإداري ومحاربة الفساد... واتخذت بعض الخطوات في هذا المجال أبرزها تسريح المئات من العمال بين أسبوع وآخر، وعلى مدى سنوات تحت يافطة الفساد، ولا ندريّ ما هو الفساد الذي ممكن أن يرتكبه العامل، وخطوات أخرى بعزل بعض المديرين أيضاً من منطلق كيديّ وباتهامات غير مبررة... وفي جانب آخر كانت هناك إدارات تتميز في مواقعها، وخط أحمر المساس بالامتياز التي تتمتع بها؛ مدراء أمضوا في مواقعهم ثلاثين عاماً وأوصلوا مؤسساتهم إلى الهاوية، ومدراء في شركات انشائية كانوا يسلمون المشاريع التي يأخذ منها ومن الدولة إلى القطاع الخاص لقاء عمولات وشراكات ونسب معروفة واستمروا في مواقعهم لسنوات عديدة، أكثر من وزير في سنوات سابقة كان يتحدث عن الخلل الإداريّ والفساد في شركات عديدة، وعندما كنا نطالبه بمحاسبة هؤلاء كان يقول لا أملك القرار.. من الذي يملكه إذن!!.
وانطلق الفساد
في هذه المعمعة من الفوضى وضمن هذا الإطار انطلق الفساد وجرى التستر على الفساد والمحسوبية والتفسخ الإداريّ، وفي هذه المعمعة قادت الرأسمالية الطفيلية التجارية مع شركائها في مواقع اقتصادية هامة عمليات البناء والتنمية، وتخريب دور القطاع العام وفرض علاقات إنتاجية مختلفة، وإقامة مجتمع استهلاكيّ لتسهيل مرورها، وبهذا الشكل استطاعت أن تنفذ أغراضها بعد أن مدت أذرعها إلى داخل الدولة ومارست الفساد والإفساد للدولة والمجتمع. إن الإصلاح الإداريّ لا يتم برفع الشعارات لخداع المواطنين، والإصلاح الاقتصاديّ الجاد يحتوي على تغييرات جذريّة في منهج الدولة السياسيّ والاقتصادي - الاجتماعي، عند ذلك نبدأ في الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد!!.