من الأرشيف العمالي: في احترام الديمقراطية النقابية

إن نقابات العمال، كما نشأت تاريخياً في العالم أجمع، هي منظمات طبقية مهمتها تنظيم وتوحيد نضالهم في سبيل المطالب التي هي من مصلحتهم جميعاً، والتي يؤيدونها جميعاً، مهما كانت اتجاهاتهم الحزبية أو الفكريّة أو السياسيّة، فإن أي حزب سياسيّ عماليّ كما هو معروف، يجمع في صفوفه عمالاً يعتنقون سياسة معينة، وفلسفة معينة، أو بكلمة، برنامجاً سياسياً واجتماعياً معيناً، والعمال طبعاً أحرار في الانتماء إلى أيَّ حزب عماليّ سياسيّ حسب قناعتهم وبناءً على تجربتهم.

 أما الحركة النقابية فهي ليست منظمة حزبية، بل هي منظمة طبقية جماهيرية واسعة، يجب أن تشمل جميع العمال، المجربين منهم وغير المجربين، المتقدمين أو الذين لا يزالون (مؤقتاً) متأخرين من حيث التجربة السياسية والاجتماعية، للنضال في سبيل مطالب عمالية معروفة متفق عليها ولا يختلف عليها أثنان من العمال، مهما اختلفت آراؤهما السياسية، ومهما كان الحزب الذي ينتميان إليه.
لذلك فمن الطبيعيّ أن تكون الحركة النقابية مبنية على أوسع أسس ديمقراطية من جهة، وأن تضع أمامها، من جهة أخرى، المطالب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي هي مشتركة بين جميع العمال، وإن كانوا ينتمون إلى أحزاب أو تيارات سياسية مختلفة.
أما أن يراد فرض اتجاه سياسيّ أو حزبيّ معين، ليس عن طريق الإقناع بل عن طريق القسر على حركة العمال النقابية وعلى قياداتها ومختلف هيئاتها فهي محاولة لا مستقبل لها على الإطلاق، كما أن من نتائجها إضعاف الحركة النقابية وشلها بل وتقسيم صفوفها (وإن لم يبرز هذا التقسيم جهاراً أو بشكل رسميّ في ظروف معينة).
إن قيادة كل نقابة، وقيادة كل اتحاد نقابيّ، على نطاق المدينة أو على نطاق المهنة أو على النطاق الوطنيّ بأسره، وكذلك كل هيئة أو لجنة تتكلم باسم العمال في هذا المعمل أو ذاك أو في هذه المهنة أو تلك، يجب أن تتألف في جو كامل من الحريّة النقابيّة، وعلى أساس التمثل الديمقراطيّ الصحيح، أي أن ينتخبها العمال انتخاباً حراً بعيداً عن كل ضغط أو تشويه من أي نوع كان.
أما اللجوء إلى أسلوب التعيين على أيَّ مستوى كان، سواء في تأليف قيادة النقابات والاتحادات، أو لجان المعامل، فهو أسلوب غريب عن روح الحركة النقابية بوجه عام، وعن تقاليد العمال السوريين بوجه خاص. إن العمال بأكثريتهم العظمى، إن لم نقل بمجموعهم يريدون بكل جوارحهم أن تقوم الحريات النقابيّة على أوسع نطاق لجميع العمال دون تمييز بينهم من حيث الانتماء الحزبيّ أو الاتجاه السياسيّ. وكذلك احترام الديمقراطية النقابية، أي أن يكون تمثيل العمال في قيادات نقاباتهم أو في أية هيئة تتكلم باسمهم في ميدان معين أو على نطاق البلاد بأسرهم قائماً على أساس انتخابات حرة تماماً ينتخب فيها العمال ممثليهم بحرية دون ضغط ولا إكراه، ودون أي تشويه أو تزييف لإرادتهم.
«من مقالة عن حركة العمال النقابية في سورية للرفيق النقابي إبراهيم بكري»

جريدة (نضال الشعب) العدد 69 آب 1966