بصراحة : عيد العمال في الأزمة الوطنية

بصراحة : عيد العمال في الأزمة الوطنية

الأول من أيار، ليس كغيره من الأيام التي تمر على الطبقة العاملة في أرجاء المعمورة هو تعبير عن الصراع الطبقي المستمر بين العمل والرأسمال الذي لن يزول إلاً بزوال الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية اقتصادية مولدة للقهر والاستغلال والحرمان بسبب قانونها اللعين«فائض القيمة» التي سخرت الرأسمالية كل أدواتها السياسية والفكرية والقمعية من أجل استمرار بقائه، وبقاؤها كنظام أبدي لا راد له كما بشرنا بذلك جهابذة الفكر الرأسمالي الذين عملوا على إقناع الطبقة العاملة بديمومة هذه التشكيلة

وعدم جدوى النضال والصراع في مواجهتها مستخدمين الترهيب بكل أشكاله وألوانه، والترغيب أيضاً بكل أشكاله وألوانه، وهم بهذا يتناسون القوانين الموضوعية للصراع بين الطبقة العاملة، والقوى الرأسمالية التي لن يوقفها الدجل الذي تسوق له الدعاية الامبريالية عبر المنظمات الدولية، والنقابات الصفراء عاملةً على تمييع الصراع الطبقي بين قوة العمل ورأس المال تحت شعار التفاهم والحوار بين الشركاء هذه المفاهيم التي انتقلت عدواها إلى الحركة النقابية السورية طابعةً إياها بطابعنا حيث تتلاءم تلك المفاهيم والاتفاقيات المصدرة من المنظمات الدولية التي ترعاها الإمبريالية الامريكية والغرب مع التوجهات الاقتصادية الليبرالية المتبناة التي في شقها العمالي، هو تجريد الحركة النقابية، والطبقة العاملة من أهم حقوقها الديمقراطية والسياسية، والهجوم على أجورها كي تبقى ضعيفة لا حول ولا قوة لها في القضايا الكبرى التي تتطلب مواقف حازمة وجريئة حفاظاً على مصالح وحقوق من تمثلهم، حيث لا يتماشى ذلك مع السير قدماً في المشروع الليبرالي الذي يتطلب فيما يتطلبه أن يكون هناك توافقات بالقضايا الأساسية التي لا تعيق، أو تقف في طريق تنفيذ السياسات الاقتصادية، بين الحركة النقابية، ومجموع الحكومات التي تعاقبت، تحت شعارات تعكس إلى حد بعيد ما أتينا على ذكره مثل«نحن والحكومة فريق عمل واحد نحن شركاء في القرارات المتخذة»، هذا الموقف له أسبابه السياسية والاقتصادية، التي جعلت من الحركة النقابية قوة محدودة الأثر في مواجهة المخاطر التي جاءت بها الليبرالية الاقتصادية بالرغم من الأصوات النقابية العالية المالكة لمجسات الإنذار المبكر التي كانت تشير إلى مكمن الخطر المحدق بالاقتصاد الوطني، خاصةً الإنتاجي منه، وبمصالح وحقوق الطبقة العاملة المعتدى عليها بحكم القوانين والتشريعات الصادرة تباعاً المعبرة اقتصادياً وسياسياً عن مصالح التحالفات الناشئة على أساس المصالح بين قوى الفساد داخل جهاز الدولة والمجتمع الذي كان سبباً مباشراً في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وزيادة عدد المهمشين، وتراجع معدلات النمو الحقيقية، وتمركز الثروة مما أدى إلى الغنى الفاحش، وإلى الفقر الفاحش أيضاً اللذين كانا واضحين وضوح الشمس، خاصةً في الأزمة الوطنية المشتعلة نارها التي وقودها الفقراء والمهمشون والعاطلون عن العمل.

إن الحركة النقابية التي هي ممثلة لمصالح وحقوق الطبقة العاملة، ومدافعة عنها، لا يمكن أن تكون إلاً وطنية، وديمقراطية، ينخفض أداؤها وفعالياتها إذا ما كان مستوى الحريات السياسية والديمقراطية منخفضاً، وهذا انعكس في الموقف من قانون العمل«17»، وفي مواجهة السياسات الليبرالية، وفي قضية إصلاح وتطوير القطاع العام، وفي تأجير المواقع السيادية مثل الموانئ، وفي ربط الأجور بسلم متحرك مع الأسعار، وفي وقف التسريح التعسفي للكثير من عمال القطاع العام تحت حجة مكافحة الفساد وفي الموقف من الفساد الكبير، هنا نتحدث عن النتائج التي أوصلت إليها مستوى الحريات السياسية والديمقراطية في البلاد، فلو كان الموضوع عكس ما نقول لكانت النتائج على الأرض مغايرة لما هو حاصل الآن بالرغم من المواقف المعلنة للحركة النقابية في كل ما ذكرنا التي لم تتعدَ الإعلان عن الموقف وهذا مهم في الإطار العام ولكنه غير كاف، والسبب في ذلك أن الحركة النقابية فاقدة لأهم سلاحين شرعيين يجعلانها قوة أساسية فاعلة في الحياة السياسية، والديمقراطية والاقتصادية، وهما استقلالية الحركة النقابية عن الهيمنة المفروضة عليها وفقاً للمادة الثامنة من الدستور القديم الساري مفعوله إلى هذه اللحظة، والآخر عدم تبنيها لحق الإضراب، والتظاهر السلميين اللذين أقرهما الدستور الجديد.

إن الوقوف عند مسببات الأزمة الوطنية والخروج الآمن منها يتطلب من القوى الوطنية، وعلى رأسها الحركة النقابية، التحضير لما بعد الأزمة لأن المعارك الطبقية من أجل إعادة توزيع الثروة لمصلحة أغلبية الشعب السوري ستكون الأساس في الصراع السياسي بين قوى الفساد الكبير، والقوى الوطنية المدافعة عن مستقبل سورية بأن تكون ديمقراطية ومتطورة ومقاومة.