الأفلام الطويلة قاصرة سينمائياً وبعض القصيرة تفوقت عليها
نديم جرجوره نديم جرجوره

الأفلام الطويلة قاصرة سينمائياً وبعض القصيرة تفوقت عليها

يطرح اختيار قضايا فرديـة أو شخصـيات محـدّدة مواد درامية لأفلام سينمائية متنوّعة (وثائقية أو روائية) سؤالاً نقدياً متمثّلاً بنقاط عديدة:

إلى أي مدى جمالي وبصري يستطيع الفيلم وصانعه أن يختزلا سيرة شخصية ما، أو مضمون قضية فردية تنفتح على العام، في مدّة زمنية معينة، من دون التأثير السلبي في جوهر الحكاية؟ هل يكفي فيلمٌ واحدٌ فقط لإيفاء الشخصية والمسألة حقّهما في التعبير والبوح، من دون أن يُسيء الاختزال إليهما؟ صحيحٌ أن صانع فيلم كهذا يمتلك حرية اختيار ما يراه الأنسب لصنيعه، وما يجد فيه انعكاسـاً لهاجـس ما لديه، أو لرؤية إنسانية وفنية وجمـالية معيـنة، أو لمعايـنة تفكيكية أو سردية لما يراه متلائماً وهواجس ذاتية. صحيحٌ أن صناعة أفلام كهذه «لعبة» خطرة، لشدّة الألغام المزروعة هنا وهناك أثناء تحقيق الفيلم. لكن الأصحّ كامنٌ في أن الحنكة والبراعة والمتخيّل العمـيق لدى المخرج أمورٌ حاسمة في تحويل مقتطفات من السيرة وفصول من القضية المثارة إلى نتاج بصري يوازن بين مضمون واضح وجماليات شكلية تجـعل الفـيلم، سواء كان روائياً أو وثائقياً، سينمائياً بامتياز.

 

عناوين حسّاسة

في إطار «مسابقة الأفلام الوثائقية» (الطويلة والقصيرة)، في الدورة الـ17 (3 ـ 8 حزيران 2014) لـ«مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة»، عُرضت 3 أفلام منتمية إلى نوع سينمائي يعاين مسائل أساسية متعلّقة بالانتماء والهوية وصراع الثقافات عبر حكايات فردية بحتة، ويرافق فناناً بديعاً في رحلة مختصرة لتاريخه الشخصيّ عبر نتاجه الإبداعي. فيلمان اثنان يطرحان تلك المسائل عبر حكايتين فرديتين: «حالة نقية للروح» للتركي أوغور إغمن إيرس، و«عن يهود مصر: نهاية رحلة» للمصري أمير رمسيس. أما الفيلم الثالث فيتمحور حول شخصية المصوّر الفوتوغرافي الألماني يورغن فولمر، وهو بعنوان «رومي.. أنا خجول» للألماني أندرياس غروتزنر.

الفيلم الأول مرتكز على إحدى أعمق المسائل الحياتية وأكثرها حساسية وهي: الأرمن المتحوّلون إلى أتراك، ومصير تاريخهم وذاكرتهم وسِيَرهم الذاتية. الفيلم الثاني استكمال لجزء أول حقّقه رمسيس قبل أعوام قليـلة فائتـة، يحاول التوغل في تاريخ مسكوت عنه في مصر، متعلّق بأبناء البلد المنتمين إلى الطائفة اليهودية. الفيلم الثالث محاولة لسرد حكاية المُصوّر مع تاريخه الشخصي، عبر صُوره الفوتوغرافية، وعلاقاته بفنانين آخرين كانوا مادة صُوره، فكانت صُوره إنجازاً فنياً بديعاً. لكن الأفـلام الثلاثة هذه لم تستطع أن تحافظ على عمق المواضيع المختارة وأهميتها، وجمال مبدعيها، وأن تحوّل «قوّة» المضامين الدرامية إلى براعة سينمائية، لسقوطها في الاستسهال والتسرّع، ولابتعادها عن بعض أبسط التقنيات الأساسية في صناعة صورة سينمائية سليمة. لم تستطع أن تمنـح كل مسألة حقّها المتكامل في التعبير والبوح، فإذا بها تبدو مبتورة أو منقوصة في مستويـات شتّى: نقص واضح في معالجة المعطيات المتوفّرة، وغياب معطيات يُفترض بوجودها إغناء النصّ المكتوب وإثراء الصورة السينمائية. سؤال الهوية والانتماء الثقافي والاجتماعي مُلحّ، ماضياً وراهناً ومستقبلاً، ما دام لا يزال معلّقاً وغير محسـوم، ذاتياً وجماعياً. الزوجان العجـوزان، يوسـف وأمينة إيريس، مسلمان تركيان لهما جذور مسيحـية أرمنـية، دفعـت الزوج، وهـو في الـ71 من عمره، إلى الشعور برغبة عميقة في التنصّر، على نقيض زوجته التي تجد نفسها أمام «أثقال» ماض وتاريخ وذكريات وتفاصيل وتشعّبات وتعقيدات. موضوع مهمّ للغاية. حوارات عميقة ومختصرة بين الزوجين. أسئلة مرتبطة بأفراد وجماعة. هذا كلّه ظلّ عاجزاً عن إيجاد معادل سينمائـي له، إذ بدا الفيلـم مُفكّكاً، والتكرار (لقطات وكلاماً) مُسيئاً إلى الحبكة والسرد. هذا واضحٌ أيضاً في «عن يهود مصر: نهاية رحلة». أخطاء في التقنيات (تصويراً وصوتاً وكادرات وتوليفاً وألواناً، من دون تناسي التقنيات السيئة جداً المستخدَمة في صالة سينما «رينسانس 1»، حيث تُعرض أفلام المسابقات الأساسـية)، وفقدان ما هو أعمق وأهمّ في حكايـة اليهـود المصـريين مما هو موجود في الفيلم، وإن لمّح الفيلم إلى السياسيّ والاجتماعيّ والتاريخيّ، ولو بشكـل عابر.

 

الروائي القصير أفضل

يورغن فولمر مُصوّر فوتوغرافي مبدع. قال عنه بعض أعضاء فرقة «بيتلز» إنهم انتظروا مُصوراً مثله «زمناً طويلاً». قالوا إن صُوَره هي الوحيدة التي أتقنت التقاط روح الفرقة وعالمها وفضائها. رومي شنايدر لاحقته. فنانون جلسوا أمام عدسة كاميرته. لكن هذا لم يشفع به في فيلم عاجز عن «التقاط روح المُصوّر وعالمه وفضائه»، وعن وضع سيرته المختزلة في إطار سينمائي متكامل، وعن بلوغ المصاف الإبداعي للمُصوِّر، ولصُوره وحكاياته.

في المقابل، لم تكن أفلام قصيرة عديدة في «مسابقة الأفلام الروائيـة القصـيرة» مخـتلفة كلّياً عن تلك الوثائقية الثلاثة. بهتان المعالجة الدرامية أقوى. انعدام لغة سينـمائية متكاملة مؤثّر سلبيّ في الصنيع الفني. الحكايات، مهما كانت، فإنها تبقى مهمّة، ويبقى سردهـا ضـرورياً، وإن عولجت مراراً وتكراراً. الإبـداع كامنٌ في طريقة المعالجة، وفي أسلوب الاشتغالات السينمائية. بعض هذه الأفلام القصيرة متميّز باختلافه عن كل بهتان آخر، واختلافه كامنٌ في جوانب عديدة: التصوير، التوليف، الحبـكة، الأداء، باطن المواضيع وما وراء الحكايات. بعضٌ قليلٌ منح العروض شيئاً من بهجة، ظلّت ناقصة لطغيان العاديّ. مثلٌ أولٌ متعلّق بالمتـميّز والمخـتلف: «فلورا وفارنا» للبولـنديّ بيـتر ليـتفن. علاقة «غريبة» تنشأ بين رجـل وصـبية في مقتبل العمر، ترغب في بيع عذريتها. تنقلب الأمور بينهما فجأة. التباس البداية أفضى إلى تراكم مؤثّرات غامضة ومتحكّمة بالعلاقة. التصوير متلائم والمناخ النفـسي والذاتي المضـغوط جرّاء غياب وضوح ما في العلاقة. مـثلٌ ثان: «قتل العمّة» للبولندي أيضاً ماتيوش غلوفاتسكي: الاضطهاد كارثة. يؤدّي غالباً إلى الـغرق في متاهة اليومي، وتمزّق الذاتيّ. الشاب عاجزٌ عن التأقلم مع سلطة العمّة، المـهتمّة به جداً. المعالجة الدرامية متكاملة والبناء الفيلمي الساعي إلى سرد الحكاية عبر التباس فاضح بين الواقعي والمتخيّل والهذياني. هل قتل الشاب عمّته؟ هل هو مقيم مع ذاته أو متـشرّد في توهـانه؟ جمالية الفيلـم كامنةٌ في هذه الالتـباسات، وفي تمكّن المعالجة من الإمساك بالعقدة المتـحرّرة من كل حلّ أو جواب. مثلٌ ثالثٌ: «فخر» للبلـغاري بافل فسناكوف: الصراع قوي بين انتماء أخلاقي إلى صرامة المعتقدات الاجتماعـية، وخـذلان الفرد أمام قسوة الواقع المناقض للمعتقدات نفسها. الجدّ سائق سيـارة أجـرة. عجوز مرتـبك وعـاجز عن التأقلم مع حرية الفرد في خياراته. حفيده مثليّ جنسي. ابنـته عائـدة إليه إثـر طلاق بعد زواج دام 20 عامــاً. الكاميرا أساسية في مقاربة الشخصيات وحالاتـها المتـناقضة، وفي وصف الحالات في ارتباكاتها وقسوتها.

 

 

 

جوائز المهرجان

أُعلنت، مساء أمس الأحد، النتائج الرسمية لمسابقات الدورة الـ17 لـ«مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة»:

 

مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة:

أفضل فيلم: «موج» للمصري أحمد نـور. جائزة لجـنة التحكـيم الخاصّة: «حبـيبي بيستناني عند البحر» للأردنية الفلسطينية ميس دروزة. تنويه خاص: «بخصوص العنف» للسويدي غوران هيوغو أولسن.

 

مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة:

أفضل فيلم: «جوانا» للبولندية آنيتا كوباتش. جائزة لجنة التحكيم: «زيلا تروفك» للإسباني آسيير ألتونا. تنويه خاص: «حالة نقية للروح» للتركي أوغور إغمن إيرس.

 

مسابقة الأفلام الروائية القصيرة:

أفضـل فيلـم: «فلـورا وفـاونا» للبولنديّ بيتر ليتفن. جائزة لجنة التحكيم: «ألف رحمة ونور» للمصرية دينا عبد السلام. تنويه خاص: «سرّ صغير» للتشكيي مارتن كريتسي.

 

مسابقة أفلام التحريك:

أفضل فيلم: «الكُشك» لآنيـت ميليـسي (لاتفيـا). جائزة لجـنة التحـكيم: «الكعب العالي عالي» للفنلنـدي كريستر لاندستروم. تنويه خاص: «أب» للأرجنتـيني سانتـياغو «بو» غراسّو.

 

المصدر: السفير