مزحة اسمها الحياد!
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

مزحة اسمها الحياد!

ثمة اعتقاد شائع عند كثير من الناس، وكثير من النخب، قد يصل إلى درجة الإيمان أحياناً، وهو أنه يمكن اتخاذ «موقف» محايد! من المشاكل والصراعات الجارية سواء في الحياة اليومية للأفراد والجماعات أو في التطورات والأحداث المحلية والإقليمية والدولية. يكمن مبعث هذا الموقف غالباً في طلب الأمان والسلامة! وينسى أصحابه في غمرة حماسهم لموقفهم المحايد هذا أنهم اتخذوا موقفاً فعلاً!

ليس من الصعب ملاحظة وتفنيد كمّ التضليل والوهم الموجود في فكرة «الحياد» هذه، والتي يمكن أن تبرر جزئياً عند العامة والأفراد، ولكنها ليست كذلك عندما تصدر عن نخب سياسية أو ثقافية أو إعلامية... إلخ، لأنها إضافة إلى كونها ليست مبدئية وظرفية ومؤقتة، فإن نتائجها تكون وخيمة خاصة في فترات الانعطاف الهامة من التاريخ كاللحظة التي نعيشها اليوم واشتداد الصراع فيه إلى أعلى درجاته، وغالباً ما تصب في خدمة الطرف الآخر من المعادلة وهو العدو.

موقف «اللا موقف»

تكمن خطورة موقف «اللا موقف» في مثل هذه اللحظات الحرجة والحاسمة في التاريخ في أنها يمكن أن تجهض الفعل الشعبي والإمكانيات والآفاق التي يملكها، فهذا التوجه ببساطة يشتمل على مصادرة المسؤولية الفردية الخاصة بكل فرد، ليمنعه من أن يكون فاعلاً في المواجهة، ويصبح مجرد متلقٍّ ينتظر ماذا قرروا! وقد يظن البعض أن التأثير الناجم عن هذه الحالة ضئيل لا يعتدّ به، ولكن حقيقة الأمر على العكس تماماً، إذ يمكن للمواقف والسلوكيات الفردية إنتاج قدر من الفائدة والإنجاز، وعندما تصب هذه، مع أعمال المقاومة الأخرى في الساحات المختلفة، تشكل نهراً واحداً من تراكم الفعل والإنجاز. وهو ما لمسنا نتائجه في حالة الصمود الشعبي الفلسطيني والتفافه حول المقاومة.

تعتبر عملية «طوفان الأقصى» نقلة نوعية هامة وكبيرة في مسار نضال الشعب الفلسطيني ضد محاولات تصفية حقوقه وقضيته، وهذا ما جعل العالم الغربي كله يهبّ بالأساطيل والمواقف والمال والإعلام، لدعم الهمجية الصهيونية في حرب الإبادة الجماعية في غزة، وعلى مرأى ومسمع العالم كله، وانطلقت حملة واسعة للاعتراض وللمطالبة بعدم التدخل وبالحياد! رفعها الفريق الأمريكي ومساندوه، تحت شعارات مختلفة ومتنوّعة، هدفها رفض التضامن مع الشعب الفلسطيني، وتالياً التواطؤ في محاولة استفراد العدو بغزة ومقاومتها وشعبها.

زمن المقاومة

سُئل أحد المتصوفة عن الزمن والوقت، فأجاب قائلاً: «الزّمَن أو الوقت هو ما أنت فيه». وحين ننظر الآن في اللحظة الرّاهنة إلى الوضع العالمي ككل، وتجلّياته المختلفة... نرى الأفق مفتوحاً لمستقبل مختلف، مستقبل يتحقق فيه انتصار حقيقي للحقوق وأهلها، قد يدفع ثمنه دماً، ولكن لا مكان للمحايدين فيه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1168
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:22