لا تكنْ مع الاحتلال ضدّهن... (2)
باسل الأعرج باسل الأعرج

لا تكنْ مع الاحتلال ضدّهن... (2)

كتب الشهيد والمثقّف الفلسطيني المشتبك باسل الأعرج هذه المقالة في مدوّنته الشخصية في شهر أيار 2012. ولقيت بعد استشهاده انتشاراً واسعاً، كما أعيدَ نشرها في كتاب «وجدتُ أجوبتي» الذي جمع فيه أصدقاء الشهيد كتاباته، وصدر بالتزامن تقريباً عن دار رئبال في القدس المحتلة، وكذلك عن دار «بيسان للنشر والتوزيع» في بيروت. فيما يلي تتمة المقالة، وأضيفت عناوين فرعية لمقتضيات شكل النشر في الجريدة.

استلاب المرأة

تُسَفَّلُ المرأة في أدوار الرضوخ تبعاً لواقعها، فمن الرضوخ للأب والأخ، ثم للزوج... ويُنظَر لها على أنها ذلك الكائن الضعيف الجاهل القاصر العاجز الذي يحتاج إلى وصيٍّ وحماية.
يتم استلابها أشدّ استلاب، بدايةً بالاستلاب العقائديّ لدورها بالمجتمع، وإقناعها بواقعها المعاش ودفعها نحو تذويت القهر والحطّ من دورها وقدراتها ووظيفتها، ثمّ يأتي الاستلابُ الاقتصاديُّ بحيث تحاصَر اقتصادياً وتُمنَع من الإنتاج الذاتي الفرديّ المستقلّ عن الذكر لضمان عدم قدرتها على التحرر من اضطهادها، ثمّ استلابٌ جنسيّ، لتتحوَّل إلى وعاءٍ لإشباع الرغبات الجنسية والنفسية للذكر ووعاءٍ حاضنٍ للإنجاب، وتُغَيَّبُ في هذه التركيبة المساواةُ بين الذاتية والغَيريّة من الذكر خوفاً من بروز الحسّ الإنسانيّ الذي يتهدَّد نرجسيةَ و«إيجو» الذَّكَر، فيمارِسُ عليها ما يمارِسُه عليه المتسلِّط.
يزرع المتسلِّطُ في عقل المقهورين ثلاث عُقَدٍ رئيسيّة:
أولاً، عقدة النقص والدونية؛ وهي الشعور بالتَّسفيل وتحقير الذات وعدم إنسانية الشخص ومدى الضعف والجهل مقارنة بالمتسلِّط القويّ الجميل المنتِج المتحضِّر.
ثانياً، عقدة العار؛ عندما يبدأ المقهور بالشعور بواقعه الفعلي يعيش شعوراً مليئاً بالعار، ولا يستطيع أن يتحمَّلَ ذلك الواقع فيقوم بإسقاط وإزاحة ذلك العار على الآخَر المشابِه له.
ثالثاً، عقدةُ اضطراب الديمومة؛ يستحضرُ المقهور هنا كلَّ تجارب الماضي ويعيش في خوفٍ مستمرٍّ من أن يطالَه تسلُّط وإجراءاتُ المتسلِّط، فيميل إلى الانعزال (امشي الحيط الحيط) أو إلى التماهي مع المحتل...
كل هذه العقد تُعكَسُ فعليّاً وتُصَبُّ على المرأة بحيثُ يقومُ الذَّكر بتصوير المرأة على أنها هي العار ويُختَصرُ معنى الشرف والكرامة في عضوٍ جنسيّ بين الفخذين، فتتغيّر المفاهيم والقيم والأحكام، ويظلُّ شاعراً بالتهديد المستمر لشرفه المزعوم الذي تمثّله تلك المرأة، فيحاصِرُها ويغلق عليها ويمنع حريّتَها خوفُه الأبديُّ من الفضيحة وسعياً وراء النمط الاجتماعي المناسب واللائق، فأكثر ما يستفزُّ المقهورين ويهدِّدُهم هو تصرُّفٌ يجرح ذلك الشكلَ الاجتماعيّ الزائف الذي يستعمله كغطاءٍ لعاره وضعفِه بغياب كرامته.
لذلك عندما تقوم فتاةٌ ما بصفع ذلك الجنديِّ أو تتجرّأ على فعل لا يتجرّأ الذَّكَر عليه، يقومُ الذَّكَر بقياسِ ذلك على نفسِه وعدمِ قدرتِه على الفعل ذاته، ويقارن خضوعَه أمام ذلك الجنديّ بانتفاضِ تلك الفتاة فيشعرُ بالخزي ممّا يدفعه لاستحضار كلِّ الإسقاطات السلبيّة عليها.

كسب العقول والقلوب

ومع هذا، يجب مراعاة الرأي العام وكسبه وعدم معاداته نهائيّاً، فإن كنتَ تؤمن بالعُنف الثوريّ والكفاح المسلَّح كطريقٍ للوصول إلى الانعتاق، أودُّ أنْ أذكِّركَ بأنّ فرانتز فانون أشهر منظِّري العنف الثوريّ قامَ بترتيبِ مراحل العمل الثوري واضعاً مرحلة كسب العقول والقلوب بعد تحديد الهدف والاستعداد...
«هي من المراحل الأكثر أهمّيةً لإنجاح أو فشل أية حركات إذ إنّ التحرُّر لا يتمّ إلّا من خلال النخب قليلة العدد (أنتم)، ومن هنا تأتي الحاجة إلى جماهير توفّر للحركة الدعم والأفراد والموارد والاستمرارية، ولذا فإنّ عملية إقناع الجمهور بالثورة وكسب تأييد ودعم ومشاركة المجتمع لا تتمّ بسهولة. وعليه يستخدمُ القادةُ عوامل وتقنيات في توظيف الجماهير مثل الطاعة والإقناع والعدوى والتكرار والتأكيد والنرجسيّات الجماعية وتأليفها واختلاقها وتوظيف الدين في التحرّك واللّجوء إلى التبرير والعوامل النفسية الأخرى في إقناع الجمهور». (فرانتز فانون، المعذبون في الأرض).
وإنْ كنت من المؤمنين باللاعنف الذي يعتبر جين شارب وغاندي من أشهر منظّريه، فقد اعتمد المذكوران في وضع مراحل التحرُّر عبر اللاعنف على نظرية العالِم النفسي جان ماري موللر الذي يقول: «وفي الوقت نفسه يكون هناك بناء للقدرات والتطوير الذاتي مثل مدارس بديلة ومؤسسات بديلة وإعداد للكوادر، وطرق التدخل وتوزيع الأدوار أثناء التدخُّل وهنا يحصل القمع من قبل الطرف الآخر فتتوسُّع قاعدتهم الجماهيرية ويكسبون الرأي العام»، ويضيف: «قد يكون الرأي العام المحلّي أو الرأي العام الوطني أو الرأي العام الدولي حسب طبيعة الصراع». (جان ماري موللر، استراتيجية العمل اللاعنفي).
حاولت أن أجمع وأصنف وأحلل أسباب مثل هذه التعليقات والتصرفات، وأيقنتُ أنّ الاحتلال له الدور الأكبر عن طريق ممارساته وإجراءاته إضافة لوكلائه من المتسلّطين الدّاخليّين وأشباه المثقفين.
وأعتقد أنّ كثيراً من الناس ممّن لم يصرّحوا بمثل هذه الأقوال إنّما يحملونها في عقولهم لكن لم يكن عندهم الجرأة الكافية ولا التوتر الانفعالي اللازم ليصرّحوا بها.
لن أبرِّرَ ولكن سأتفهَّم وأحاولُ معرفة كيفية مواجهة هذه الظاهرة في المجتمع واضعاً بين عينيَّ استنتاجاً مهمّاً (هنّ ضحايا فلا تكنْ مع الاحتلال عليهن).
فلا يجوز وليس من اللائق ممَّن وضعوا على أنفسهم الالتزام الأخلاقي بالدفاع عن الوطن والمجتمع لتحرير الأرض والعقل إشعار الناس بدونيّتهم والتبخيس فيهم مهما خرج منهم ما يسيء بك، فإنْ لم تتفهّم عقليّات الناس وسلوكياتهم وأنتَ لا تملك الآن سلطةً عليهم فأنا على يقين بأننا سنستبدل متسلِّطاً بمتسلِّطٍ آخَر.
وأقترحُ بعض الأفكار التي قد تصحّ كمادّة للتفكير نحو إيجاد الحلول:
1- حرّر عقلك من كل هذه العقد التي سبق ذكرها.
2- راعِ ثقافة المجتمع ولا تعاديها.
3- تعامل مع المحيط بواقعية وحاول المحافظة على الاتزان الانفعالي.
4- عرّفهم حقوقهم وواجباتهم.
5- عرّفهم قدراتهم الذاتية، وتقدير الفروقات الفردية.
6- لا تناقشهم، فقصور الفكر الجدلي سيد الموقف، بل استخدم أسلوب سقراط في الطرح والسؤال.
7- حوِّلْ كلَّ ذلك الغضب باتجاه الاحتلال.
8- لا تبالغْ بالشكوى والتذمر.
9- لا تصبحْ مغناطيساً للأفكار السيّئة لأنك ستفسّر كلَّ ما يحدث بطريقة سلبية.
10- ساهم في تغيير هذه القناعات والقضاء على الوعي الزائف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1164