ضوء الشجرة البعيد
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

ضوء الشجرة البعيد

ليس ثمة ما يثير الاستفزاز أكثر من ذلك البذخ في الإضاءة الممتد على جانبي الطريق في أحد شوارع العاصمة، بينما تغرق بيوت فقرائها في الأحياء البعيدة والممتدة ببؤس في الظلام. في دمشق المنقسمة على نفسها، يزداد فقراؤها عدداً ويزداد بؤسهم شدة، بينما تثير مظاهر الاحتفال مشاعر قهر وغضب لا يوصف فحتى العيد أصبح طبقياً باميتاز ولم يعد بمتناول الجميع.

ثمة من لا يريد أن تضاء بيوتنا، ثمة من يريد لأرواحنا أن تعيش في العتمة، رغم تأكيد المختصين من العاملين في مجالي الكهرباء والاقتصاد على حد سواء، وبحسابات دقيقة، أنه يمكن تشغيل الكهرباء أربعاً وعشرين ساعة! ولكن لا جدوى من الحديث والحسابات، بل يكفي التباهي بإضاءة أشجار الميلاد في شوارع محددة لتثبت تأكيدات إعلامنا «أن كل شيء على مايرام، وأن بلادنا بخير»!!

«مالنا غير بعض»

أمام بائع الخضار تقف امرأة تريد شراء ربطة سلق، بعد وزنها طلب البائع ثمنها 4000 ليرة. تطلب المرأة من الرجل بخجل أن يقسم الربطة ويعطيها النصف، يجادلها الرجل، «يا أختي عم نبيعها ربطة كاملة، وهاي أقل من كيلو» تُخرج المراة 2000 ليرة من جيبها بخجل وتردد، يفهم البائع مباشرة، ويقدم لها الربطة بعد أن يتلقى النقود «خذيها كلها، أصلاً هي بايتة!» امرأة أخرى تطلب من البائع «بدي أصغر راس زهرة عندك». يهمّ البائع الذي يعرف الحارة بيتاً بيتاً بسؤالها، كيف يكفي ما تطلبه لعائلتها المكونة من أربع أطفال وزوج عاجز، ولكنه يسكت متنهداً، يناولها طلبها مردداً، و»هاي ربطة كزبرة فوقها تكرمي». ينطلق البعض من فكرة صحيحة ولكنها لم تصل إلى بعدها الكامل «ليس للسوريين سوى بعضهم البعض».

مشاهدات متكررة

يغرق شارع الثورة بالازدحام، رغم عطلة أعياد الميلاد الطويلة نسبياً هذا العام، إلا أن الشوارع ما تزال تغص بالناس، يتفرجون على البضائع المكومة في البسطات وواجهات المحلات، ولكنهم لا يشترون، تشير إلى ذلك أيديهم الفارغة، يكتفون بالتفرج، فلا نقود في جيوبهم، ومع ذلك يصرون على الخروج في يوم مشمس ودافئ، ربما ليرتاحوا قليلاً من رطوبة بيوتهم وبردها، وربما ليملأوا عيونهم برؤية الأشياء التي يحتاجونها على الأقل بما أنهم لن يتمكنوا من امتلاكها.
ليس الوضع في أرياف دمشق بأحسن حالاً، فأشجار الميلاد أيضاً زائفة هنا، وهناك قطيعة بين عامة الناس والأشجار المضيئة في شوارع ليست لهم. في مشاهد متكررة كثيراً لدرجة أصبحت فيها عامة ويومية.
يقال إنه في أوقات الكوارث تتحول المشاعر إلى سلوك، ويصبح للأنشطة هدف ومعنى وضرورة. يقارع السوري تفاصيل حياته اليومية في معركة لا تنتهي وكأنه يقارع المستحيل. ومع ذلك يستمر الناس في العيش ومع مرور الوقت ستحول الأيام قهرهم إلى غضب، غضب يتجاوز الزيف فثمة أمل دائم في الحياة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1155