عندما تتحول دماء الأطفال إلى قصائد

عندما تتحول دماء الأطفال إلى قصائد

يسطر الفلسطينيون اليوم ملحمة تاريخية، يكتبونها بدمائهم وحجارة بيوتهم. ويؤسسون لمرحلة جديدة في الصراع، على المستوى الإقليمي، والمباشر بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.

أبدعت المقاومة في اختيار توقيت «طوفان الاقصى»، فقد اختارت موعد الاشتباك وتاريخه، وهي لم تفعل ذلك جزافاً، بل في لحظة فارقة، فحكومة الكيان في حالة هشاشة سياسية، وحلفاؤه متراجعون- على عكس حال المقاومة وحلفائها- ومشغولون عنه في جبهات أخرى، ومثلما يواجه حرباً متعددة الجبهات في فلسطين والإقليم فإن حلفاءه يواجهون حرباً متعددة الجبهات في الإقليم والعالم.

متلازمة فيتنام

«الظلم خطر على الظالم بقدر ما هو خطر على المظلوم»، كما يؤكد الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي. وكما يؤكد التاريخ أيضاً، فمنذ انتصار المقاومة الشعبية في فيتنام، لم يُشفَ الجرح الذي سببته لأمريكا والإهانة التي لحقت بها سياسياً وعسكرياً، بل شكلت عائقاً ثقافياً أمام النجاح العسكري الأمريكي لاحقاً. إذ لم يستطع جيشها مواجهة المقاومة الشعبية التي تستمد قوتها من الإرادة وروح الثبات، وأثبتت أن حرباً بين جيش نظامي ومقاومات شعبية آثارها ونتائجها مختلفة عن الحروب الكلاسيكية حيث «يهزم القوي إن لم ينتصر وينتصر الضعيف إن لم يهزم». وصمود الشعب الفلسطيني اليوم ومقاومته تعكس تلك القوة التي لا يمكن أن تهزم.
صمود الضعيف انتصار في الحرب، ببساطة لأنه يجعل العدو يفشل في تحقيق أهدافه. والشعب الفلسطيني يثبت أنه شعب أسطوري في صموده وثقته بالنصر، فشكل الصمود ومضمونه يظهران أعلى درجات الوعي والالتزام بالدفاع عن الحقوق المشروعة، بل إنه يجعل الحق يكتسب مشروعيته اكتساباً.

«نحن لا نكبر، نحن نستشهد»

لم يستطع الصهاينة وكل من والاهم من زرع ذاكرة للغزاة وتاريخهم في البنية الفكرية للطفل الفلسطيني، يوميات الاحتلال وحروبه المتلاحقة كانت ذات مفعول عكسي لما أراده المحتل، من زرع للخوف في قلوبهم.
فقد شحن الإجرام المدعوم غربياً أبناء غزة بإرادة فولاذية أورثها الكبار للصغار وأورثتها المعايشة اليومية للحدث ناراً وصلابة. يُسأل طفل فلسطيني ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ فيجيب: « نحن لا نكبر، نحن نستشهد». لا يصدر هذا الكلام عن عبث. ويقول طفل آخر «نحن سنبقى في أرضنا، وإن متنا، سيأتي غيرنا، وسنظل نقاوم».
يعبر قاموس الطفولة هذا عن نفسه ويؤكد لنا أننا أمام معركة أخرى، تنتصر فيها لغة أطفال ونساء، تدهش من يسمع ويشاهد. لغة لا تعرف الهزيمة، كلمات أمهات مفجوعات بأبنائهن تصبح قصائداً، وتأخذ معنى خاصاً تُفاجئ بها العالم، وتؤكد له أنه ثمة هناك فلسطيني يواجه الموت ويريد حقه في الحياة. وأن ثمة لغة أخرى للمستعمر، لغة القتل والإبادة والكذب والتضليل تمنع عليه ذلك.
لم تنته الحرب بعد، ومهما كانت نتائجها العسكرية والسياسية إلا أن شعب غزة انتصر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147