ظروف انبعاث الفاشية من المصالح الرأسمالية

ظروف انبعاث الفاشية من المصالح الرأسمالية

يقول بلزاك: هي حرب الريالات، إنهم يقتلون الناس، إنهم لا يقتلون المصالح. ورغم أن بلزاك عاش في القرن التاسع عشر. إلا أن هذه الكلمات تنطبق على الفاشية التي تقتل الناس ولا تقتل المصالح الرأسمالية.

الثورة الرجعية

ترك سليم خياطة مجموعة من المؤلفات أثناء التصدي لخطر الفاشية في ثلاثينات القرن الماضي. ومنها كتب (الحبشة المظلومة، أو آخر نزاع للاستعمار في دور انهياره 1935) (حميات في الغرب، جولات دراسية بين صراع الجماعات في العالم الغربي 1936) (على أبواب الحرب، دراسة في صعود الفاشية واستشراق خطر الحرب الاستعمارية القديمة 1934). بالإضافة إلى ما كتبه عن الفاشية في الصحف والمجلات. وخاصة مجلة الطليعة التي صدرت عام 1935 وتولى خياطة إدارة تحريرها.
يقول سليم خياطة: الفاشية رد فعل شديد من القسم المسيطر من المجتمع، يقصد تثبيت سيطرته عليه، ساعة يشعر بقيام قسم آخر منه بحركة ثورية. ويحدث ذلك عندما يقع المجتمع في حالة من الفوضى والارتباك الجادين اللذين ينجمان عن إغراق الدولة في تأمين مصالح الطبقة العليا فيها وإهمال الطبقة السفلى، بحيث يختل التوازن في المجتمع اختلالاً فادحاً ويصبح الجمهور الأكبر من الناس في حالة من الضغط والعبودية لا يلبث معهما أن ينفجر متمرداً.
والفاشية بعبارة مختصرة ثورة رجعية تكون جواباً على ثورة تقدمية. قد يكون النجاح نصيبها كما وقع في إيطاليا وألمانيا والنمسا والمجر وفنلندا. وقد تخفق كما حدث في روسيا، وكما يحدث اليوم في الصين حيث الثورة التقدمية القائمة في الجنوب على شواطئ اليانغتسي تكتسب يوماً فيوماً على الثورة التأخرية القائمة في الشمال. (حميات في الغرب، فاشستية مقدمات وانبثاق ص 81).
وتسبق الحروب الكبرى ظروف تؤدي إليها يكون طابعها عقوداً من الراحة التجارية والصناعية وهدنة سطحية في ميدان النضال الاجتماعي. والغرق في الحياة السهلة للبرجوازية الصغيرة، وإمكانية ترقيع المشكلات التي تظهر. ولكن الأزمة تتطور هنا وتزحف ببطء حتى لحظة الانفجار. وهذه اللحظة وصفها موسوليني بالكلمات التالية: عندنا أربعون درجة من الحمى. يجب أن نمتد أو ننفجر.
وكان الانفجار في غزو إثيوبيا (الحبشة)، وخصص سليم خياطة كتاباً للدفاع عنها قائلاً إن هذا النزاع هو آخر نزاع للاستعمار في دور انهياره.

الدكتاتورية الإرهابية

الفاشية عند خالد بكداش هي الديكتاتورية الإرهابية المكشوفة لأكبر الرجعيين وأفظع الاستعماريين.
هي حركة يقوم بها ويغذيها نفر من أكبر أصحاب الملايين. أرباب المال وأصحاب البنوك. أصحاب معامل الأسلحة وتجار الموت الذين يرمون إلى إقامة سلطتهم المطلقة على شعبهم واستعمار الشعوب الأخرى. فيمحون في بلادهم كل أثر للديمقراطية والحريات الإنسانية الأولية: يحلون البرلمان ويقضون على الأحزاب السياسية ويستعملون الإرهاب الوحشي ويسفكون دماء الأبرياء ويضعون مئات الألوف في السجون.
وعندما نقول إن الفاشية هي حركة كبار أصحاب المال وأرباب الملايين الغربيين لا نرمي الكلام جزافاً. فالشركات والبنوك الكبرى هي التي تغذي الحركات الفاشية في كل مكان. وكل الناس في فرنسا يعرفون أن المسيو فندل أحد أعمدة لجنة معامل الحديد وأكبر أصحاب المناجم والمعادن هو عضو في جمعية الصليب الناري الفاشية. وكل الناس في الدنيا يعرفون أن الذين غذوا حركة هتلر بالأموال الهائلة هم تيسن وكروب وسواهما من أكبر أصحاب معامل الأسلحة وتجار المدافع والغازات في ألمانيا.
(من كتاب خالد بكداش: العرب والحرب الأهلية في إسبانيا 1937. والمقدمة التي كتبها خالد بكداش لكراس ديمتروف: الفاشستية عدوة الشعوب، وحدة الطبقة العاملة في النضال ضد الفاشستية 1937).

حزب الرأسمالية

يقول ديمتروف إن الفاشية هي الديكتاتورية الإرهابية السافرة لأكثر عناصر رأس المال رجعية وشوفينية وإمبريالية. وقال بالميرو تولياتي إن الفاشية هي حزب البرجوازية من طراز جديد.
وفي زمن الفاشية القديمة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في دعم صعود الفاشية والنازية في أوروبا للوقوف في وجه الاتحاد السوفييتي. وكانت الولايات المتحدة جزءاً من حزب الفاشية الرأسمالية الكبير حول العالم.
تحدث المؤرخ الأمريكي هاوارد زين في كتابه (القرن العشرين) كيف امتنعت الولايات المتحدة عن وقف صعود الفاشية. وفي نفس الوقت، واصلت الولايات المتحدة سياساتها الإمبريالية حول العالم. وقال الكاتب الأمريكي غابرييل كولكو في كتابه (سياسات الحرب) إن الهدف الاقتصادي للولايات المتحدة في الحرب كان انقاذ الرأسمالية في الداخل والخارج. وإنشاء أسواق خارجية واسعة لتصريف الإنتاج المتضاعف للرأسمالية الذي عجزت السوق الأمريكية عن تصريفه كاملاً.
عندما اجتاح الفاشيون الطليان إثيوبيا عام 1935، واصلت الشركات الأمريكية في إمداد موسوليني بكميات ضخمة من النفط. وعندما أعلن الفاشيون الإسبان انقلابهم على الجمهورية المنتخبة عام 1936، قطعت إدارة روزفلت المساعدات عن الحكومة الإسبانية بينما كان هتلر وموسوليني يدعمان الانقلابيين الإسبان. وكانت سياسة الأمريكيين والفرنسيين والإنكليز قائمة على منع انتصار الجمهوريين الإسبان. هذه السياسة القائمة على عدم إيقاف صعود الفاشية. وكذلك لم يفعلوا شيئاً عند الاحتلال الألماني للنمسا. وعند التوسعات الألمانية الإيطالية في إفريقيا.
في آب 1941، أطلق روزفلت وتشرشل ميثاق الأطلسي واضعين سياسات ما بعد الحرب التي هي سياسات ما قبل الحرب. وعندما كان الاتحاد السوفييتي يقاتل 80% من قوات هتلر وينتصر عليهم ويزحف في قلب أوروبا، عندها بدأ إنزال النورماندي في نهاية الحرب. (هاوارد زين، القرن العشرين، 2003، ص 137-181).
بالإضافة إلى ما سبق، كانت الشركات الأمريكية الكبرى تواصل إمداد موسوليني وهتلر بالمواد الخام، بينما تعلن على وسائل الإعلام للشعب الأمريكي كذبة كاريكاتورية: الحظر على إرسال الأسلحة إلى هتلر وموسوليني. وبعد انتهاء الحرب عام 1945، تبنت الولايات المتحدة المجرمين النازيين واستخدمتهم في الصراع ضد الاتحاد السوفييتي وغزو البلدان الأخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1063
آخر تعديل على الأحد, 03 نيسان/أبريل 2022 16:06