موجز تاريخ الشعب الأوكراني
محمد علي محمد علي

موجز تاريخ الشعب الأوكراني

تكونت الطبقات والدولة عند الشعوب السلافية بين القرنين السادس والتاسع. ففي الأراضي التي قطنها السلاف الشرقيون. جرى تجنب التشكيلة العبودية، والانتقال بالتالي من المشاعية البدائية إلى الاقطاعية مباشرة. وفي القرنين التاسع والعاشر، تكونت الطبقتان الأساسيتان: طبقة الفلاحين التابعين وطبقة الإقطاعيين وملاكي الأراضي.

وعلى أساس هذه التطورات، نشأت في القرن التاسع دولة روسية مبكرة عاصمتها مدينة كييف، وعرفت هذه الدولة باسم روسيا كييف أو روسيا القديمة. لذلك فإن كييف هي أقدم عاصمة روسية لأول دولة روسية استمرت زهاء ثلاثة قرون. وكانت قبيلة «الروس» أساس هذه الدولة، ومنها جاءت تسمية روسيا والشعب الروسي. وارتبطت هذه الإمارة باسم الأمير فلاديمير الذي تبنى المسيحية.
سقطت كييف على يد الغزاة المغول، وقسمت روسيا إلى إمارات متناحرة في القرن الحادي عشر. وعندما تعاون أمير كييف مع الغزاة المغول، خلعه أهل كييف وعقدوا المجلس الشعبي لمقاومة الغزاة. كما انتفضت كييف بسبب الاستثمار القاسي للفلاحين والحرفيين.
وظهرت أهمية موسكو السياسية من خلال التصدي للغزاة المغول في معركة كوليكوفو عام 1380 على يد أمير موسكو ديمتري إيفانوفيتش. واستطاع ديمتري توحيد وتحرير جزء كبير من الأراضي الروسية التي كانت عاصمتها القديمة كييف «روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا الحالية». وأكمل إيفان الثالث عملية التوحيد. وأعلن إيفان الرابع الرهيب نفسه قيصراً.
تعرضت الأراضي الروسية إلى الغزو الأوروبي من الغرب «الكومونويلث الليتواني البولوني ومملكة السويد» والغزو العثماني من الجنوب وبقيت أقسام كبيرة من أراضي بيلاروسيا وأوكرانيا محتلة لقرون.
في عام 1648 انتفض فلاحو أوكرانيا وبيلاروسيا وقوزاق الدنيبر وزاوبورجيا بقيادة بوغدان خميلينتسكي ضد المحتلين، واشتعلت حرب شعبية شاملة. وعقد الثوار «المجلس الشعبي» في بيرياسلافل «رادا بيرياسلافل». وقرر المجلس الاتحاد الطوعي الفوري مع روسيا عام 1654 وجرى طرد المحتلين الأوروبيين وتوحيد روسيا وجزء كبير من أوكرانيا. وأصبح خميلينتسكي بطل تحرير الأوكرانيين والبيلاروس ورمزاً لاتحاد روسيا وأوكرانيا. وتمثاله موجود حتى اليوم في إحدى ساحات كييف الرئيسية. كما أن اسم البرلمان الأوكراني حالياً مشتق من اسم رادا بيرياسلافل الشعبي أيام انتفاضة القرن السابع عشر.
كانت أراضي الإمبراطورية الروسية ساحة للانتفاضات الفلاحية المختلفة مثل انتفاضة كييف وانتفاضة ستيبان رازين. وكانت شعوب تلك البلاد تخوض نضالها جنباً إلى جنب منذ القرن العاشر حتى الانتفاضات الفلاحية الضخمة التي شملت مختلف أنحاء روسيا عام 1861 والتي وضعت حداً للقنانة ووسعت من تطور العلاقات الرأسمالية. وفي تلك الفترة بالذات، ظهر الأدب الأوكراني المدون متأثراً بالحركة الثورية والتقدّمية في روسيا مثل تاراس شيفشينكو المعاصر لدوستويفسكي. وكان شيفشينكو الفيلسوف أبا الاشتراكية الفلاحية الطوباوية والزعيم الفكري للحركة التي اندلعت ضد القنانة في أوكرانيا.
عاش الشعب الأوكراني كما عاش الشعب الروسي في ظل «سجن الشعوب»، وهو الاسم الذي أطلقه لينين على القيصرية الروسية. وعندما بدأت بوادر النهوض الثوري في نهاية القرن التاسع عشر شمل ذلك أوكرانيا وبقية أراضي روسيا. وكانت أوكرانيا ساحة للانتفاضات الفلاحية الكبيرة مثل روسيا، وكذلك ساحة للإضرابات العمالية ولثورة 1905 وثورتي 1917.
وعندما احتل الألمان والقوميون الأوكرانيون أراضي أوكرانيا اشتعلت حرب أنصار كبيرة خلال سنوات الحرب الأهلية لطرد الغزاة وإسقاط القوميين البرجوازيين الذين باعوا البلاد للغزاة الأجانب. ويمكن قراءة تفاصيل مثيرة ليوميات الكفاح الثوري في أوكرانيا في أعمال الكاتب القصصي أندريه هولوفكو وما كتب عن القائد الأوكراني الأحمر «شورس» بالإضافة إلى ما كتبه نيكولاي أوستروفسكي في رائعته «كيف سقينا الفولاذ» التي جرت أحداثها في أوكرانيا. وتصور هذه الأعمال كيف تأسست جمهورية سوفييتية في أوكرانيا وطرد الغزاة الأجانب. وأطلق على المجالس السوفييتية اسم «مجالس الرادا». وانضمت جمهورية أوكرانيا طواعية إلى اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية عام 1922.
ولأول مرة في التاريخ، جرت عملية «أكرنة» الثقافة والتعليم التي رعاها ستالين بنفسه بصفته مسؤولاً عن ملف القوميات، وأصبح الشعب الأوكراني يدرس بلغته الأم وجرى جمع وتدوين وحماية التراث الأوكراني. ولأول مرة في التاريخ أصبحت أوكرانيا كياناً «جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي»، وتخلص الشعب الأوكراني من الاضطهاد، بالإضافة إلى تحرير العمال والفلاحين من الرأسمالية وشمولهم بالبناء الاشتراكي في التصنيع والتجميع الزراعي ومستوى المعيشة ومستوى تطور العلوم... إلخ.
وعندما احتل الغزاة النازيون أراضي الاتحاد السوفييتي ومنها أوكرانيا ضمناً، اشتعلت في الأرض المحتلة حرب الأنصار الشعبية التي شملت جميع أنحاء أوكرانيا ضمناً. وسأذكر مثالاً صغيراً على هذا التاريخ:
في مدينة تشرنيغوف «تشرنيهيف»، أسس فتيان وفتيات في مقتبل العمر «منظمة الحرس الفتي»، كان أكبرهم عمراً قائدهم أوليغ كوشيفوي وأصغرهم عمراً في الثالثة عشرة. ونفذوا عمليات المقاومة ضد الاحتلال النازي. لقد اعتقد النازيون أن الجيش الأحمر قد وصل إلى المدينة رغم بعدها عن خط الجبهة! وعاش المحتلون في الرعب يتعرضون يومياً لصيد هؤلاء الفتية حتى جرى القبض عليهم. لقد أعدم قائد الحرس الفتي أوليغ كوشيفوي بالرمي من الطائرة، بينما دفن البقية أحياء في مناجم الفحم، ليتواصل امتزاج دم هذه الشعوب في النضال ضد الغزاة منذ ألف عام. وقاتل عشرات الآلاف من الأوكرانيين في صفوف الأنصار في المناطق المحتلة. ليرتفع الرقم إلى مئات الآلاف عشية التحرير.

المراجع
عرض اقتصادي تاريخي، جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب، دار التقدم موسكو صفحة 200-204.
موجز تاريخ العالم، تأليف جماعة من المؤرخين السوفييت، الجزء الأول- المجلد الأول: دار الفارابي 1989، صفحات 211-216 والصفحات 241-249. الجزء الأول- المجلد الثاني صفحات 19-37.
موجز تاريخ الفلسفة، جماعة من الأساتذة السوفييت، دار الجماهير الشعبية، الجزء الأول- صفحة 184-185. الجزء الثاني- صفحة549-553.
رواية كيف سقينا الفولاذ، نيكولاي أوستروفسكي. رواية الحرس الفتي، ألكسندر فادييف. الوشاح الأحمر، مجموعة قصصية لـ لأندريه هولوفكو.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060