خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين: التنكيل بالقدس علناً

تتواكب العمليات الإسرائيلية بتهويد القدس مع إعلانها هذا العام «عاصمة الثقافة العربية»، وكأن إسرائيل تحث الخطى بسرعة لمحو هذه المدينة من الذاكرة العربية والعالمية، لتأكدها من خطورة هذا الاسم على خريطتها الملفّقة. هكذا أخذت الأحياء اليهودية تزحف تدريجياً لاقتلاع ما تبقى من التاريخ العربي لهذه المدينة المقدّسة. تخلّت اتفاقية أوسلو عن القدس الغربية بما يشبه الهدية التذكارية لإسرائيل، ثم انتهى الأمر بالمطالبة ببعض أحياء القدس الشرقية.

ولكن ماذا بخصوص احتفالية «القدس عاصمة الثقافة العربية»؟ بالكاد نسمع عن فعاليات خجولة هنا وهناك، هي في الواقع أقرب إلى الاحتفال بعيد الشجرة. نزرع أشجاراً ثم تجف، لنعيد شتلها في المناسبة القادمة.
تكمن المشكلة، في تواطؤ معظم الحكومات العربية بتجاهل هذه المناسبة الاستثنائية، وإدارة ظهرها لهذا المجاز الثقافي المهم. تبرعات شحيحة لم تترك بصمة على وجه المدينة أو تاريخها، وكأن الأمر يتعلّق بميزانية بلدية في إقليم نائٍ. منذ أيام تبرّع مسؤول عربي بمبلغ عشرين مليون دولار لجامعة أمريكية كان قد درس فيها، وكأن هذه الجامعة تنتظر يد العون، فيما تحتاج مدارس عربية بالجملة من يدعمها كي لا تغلق أبوابها.
القدس تنأى كلما كثٌرت الشعارات عنها، وكلما أمعنت ذاكرة النسيان في هدمها.
 كان إدوارد سعيد في «خارج المكان» قد استعاد طفولته بين أزقتها القديمة، وحينما عاد إليها قبل سنوات قليلة من غيابه، وقف عند سور بيته المقدسي، ولم يتمكن من الدخول إليه. هناك عائلة يهودية استولت على البيت، في أكبر عملية سطو معلنة.
نرجوكم استعيدوا القدس، ولو عن طريق طابع تذكاري يخلّد هذه المناسبة في ذاكرة العالم. طابع صغير يسافر إلى جهات الأرض كي نثبت رمزياً - على الأقل- أن هناك مدينة بهذا الاسم، القدس، وليس «أورشليم». وسط هشاشة هذه الاحتفالية، وتمزّق أوصالها لمصالح سياسية ضيّقة، ينبغي أن نشكر في هذه المناسبة اتحاد الناشرين السوريين. هذا الاتحاد الذي ثبّت شعار احتفالية القدس على كل مطبوعات دور النشر السورية خلال هذا العام.
لا نريد أن نتبادل ذكرياتنا كعرب عن القدس، فنحن نحفظ خريطتها جيداً، منذ أول نشيد مدرسي في حياتنا، نريد أن يعرف العالم ماذا فعلت وتفعل إسرائيل بهوية هذه المدينة. فيلم وثائقي يُعرض على شاشات المحطات الأجنبية يعادل مئات الخطابات العربية عن عروبة القدس. بطاقة بوستال بلغات العالم يقرّب ما تسعى إسرائيل إلى محوه من ذاكرة فلسطين، بما فيها ذاكرة الفلافل! استعيدوا الفلافل على الأقل!

معلومات إضافية

العدد رقم:
414