أوراق خريفية.. «حوار لم يكتمل... !»

كونه يجيد التحدث بالإنكليزية بامتياز، ويتمتع بذهن متّقد، وبأسلوب هجومي كاسح... فقد كُلّفَ بإجراء مقابلة صحفية مع أحد كبار المسؤولين الأمريكان. وبعد مشاورات واتصالات عديدة تم الاتفاق على موعد وكان هذا اللقاء:

■ معالي الوزير ! حرصاً على وقتكم الثمين ، اسمح لي تجاوز التحيات والمجاملات لأبدأ الحوار معكم فوراً. كما تعلم سيدي، تجتاح البلاد العربية منذ فترة طويلة مشاعر السخط والغضب من جراء احتلالكم العراق، ودعمكم اللا محدود لـ «إسرائيل» بالإضافة إلى انحيازكم السافر لها، وتهديداتكم المستمرة لسورية... وغير ذلك من الأسباب التي جعلت المواطن العربي في حالة كره حقيقي لإدارتكم؟

●(بهدوء تام) أولا، يجب أن نتفق على المصطلحات وتسمية الأمور بمسمياتها، قلتَ في مستهلّ حديثك، «البلاد العربية»  والصحيح هو البلدان العربية.. فأنتم أكثر من عشرين بلداً !  كما ذكرتَ عبارة «احتلال العراق» والصحيح هو تحرير العراق من ديكتاتورية صدّام.. أما بشأن دعمنا لإسرائيل، فمن الطبيعي أن ندعم بلداً متفرداً بديمقراطيته وسط محيط من أنظمة الحكم القمعية.. والتي تلاقي شعوبها الويلات على أيدي حكامها.. أما بشأن تهديداتنا لسورية، فنقول: للأسف إن سورية لم تفِ بوعودها حيال الكثير من القضايا التي تم التشاور والاتفاق معها.. ومع ذلك ما زلنا نعتمد الأساليب الدبلوماسية معها حتى الآن. فهي ما فتئت تدعم المنظمات الإرهابية وتؤوي قادتها وتفتح حدودها للمتسللين لقتال جيشنا في العراق.. وما زالت تسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ناهيك عن استمرار احتلالها للبنان منذ أكثر من ربع قرن...

■ سيدي معالي الوزير ! يبدو أننا بالفعل نحتاج إلى اتفاق على المصطلحات أولا، فأنت تقول «المنظمات الإرهابية» ونحن نراها حركات تحرر وطني نشأت نتيجة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وإن دعم هذه الحركات ليس تهمة، بل هو واجب مقدس على كل وطني غيور أينما كان وحتى في أمريكا نفسها... وأما قولكم بأن سورية تسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فإنْ كان ذلك صحيحاً ولا بدّ، فهي مجبرة على ذلك، لأن «إسرائيل» لا تسعى فحسب، بل هي تملك أكثر من مئتي رأس نووي ! ومن الطبيعي أن تسعى سورية ومن أجل الدفاع عن نفسها، إلى البحث في كل الوسائل والسبل لتدعيم قدرتها العسكرية.. وأما وصفكم لوجود بعض قواتها في لبنان بطلب من الحكومة الشرعية اللبنانية أنه احتلال، فنعتقد أنكم لستم المخولين بالنطق بلسان لبنان، فهو أدرى بمصلحته ولا شأن لأحد بالدفاع عنه... ثم إن من كان بيته من زجاج، يستحسن له ألا يرشق الآخرين بالحجارة..

●● (شعر بأنه حوصرَ وبات بموقع الدفاع، وأدرك بحدسه ضرورة الانتقال إلى الهجوم) اسمعْ يا سيد ! هل أنت تحاورني أم تسألني؟

■ الاثنان معاً ..

●● حسنا، الصحيفة التي تكتب فيها، أليست مؤممة؟ أعني أليست ناطقة بلسان نظام الحكم الشمولي لديكم ؟

■ أولاً، لا يوجد لدينا صحف مؤممة ! ثانياً الصحيفة التي أكتب لها مستقلة وليست ناطقة بلسان الحكم ! ثالثاً يفترض بي توجيه الأسئلة إليك وليس العكس ؟

●● (متعجرفاً) لأن جميع الصحف التي تصدر عندكم تتحدث بلهجة واحدة وخطاب واحد ... وأقترح عليكم - من أجل التوفير، كونكم بلداً فقيراً - اختصار صحفكم إلى صحيفة واحدة..

■ اسمح لي سيدي! أن أصف اقتراحك بالوقح والاستفزازي لأنه يُعدّ تدخلاً فظاً في شؤوننا الداخلية! ثم أن معلوماتك عن صحفنا يبدو أنها ضحلة. فلدينا صحفاً ناطقة بلسان أحزاب الجبهة،  وصحفاً مستقلة.. وهناك هامش كبير فيها لإبداء الرأي المخالف للحكومة..

●● (بغطرسة وعنجهية واضحتين لتعزيز هجومه) لكن الخطوط الحمراء عريضة لديكم ولا يستطيع أحد تجاوزها أو حتى الاقتراب منها، هل لك أن تحدثني عن صحيفة تناولت موضوع معتقلي الرأي الآخر في سجون نظامكم ؟ وعن العذابات التي يلاقونها أثناء التحقيق معهم ؟ ... لن أتحدث في القضايا الكبرى فقد تكون صعبة عليكم ، فلنتحدث بالقضايا الصغيرة، هل توجد صحيفة تجرّأت على مناقشة السبب الحقيقي لتغيير اللباس المدرسي لديكم؟ أو إلغاء مادة الفتوة العسكرية من مناهجكم مثلاً؟ أنتم صحفيون - ونأسف لذلك كثيراً - أبواق للنظام الحاكم ولا يعوّل على كتاباتكم بشيء بدليل عدد قرّائكم ... ! لذلك أكرر اقتراحي الآنف الذكر... فأنتم لا تطيقون الشفافية واحتمال سماع الرأي الآخر.. على فكرة، لم تقل لي كم قرشاً أقصد كم ليرة ستأخذ على نشر هذه المقابلة؟.

■ (متمتماً باللغة العربية بعد أن أحسّ بحراب الإهانة توخز كرامته) يلعن أبوك وأبو الساعة اللّي التقيت فيها معك! يعني ضروري تمسكني باليد التي توجعني... - (باللغة الإنكليزية) أعتذر سيدي  عن إكمال حواري الصحفي معكم ، ويبدو أننا على طرفي نقيض ويصعب الاستمرار في هذا الحوار.. 

وأغلق جهاز التسجيل ونهض واقفاً مستأذناً وانصرف يقول في نفسه: بسْ لو كانت رواتبنا تكفي وتزيد، ولو عنا حرية صحافة... وديمقراطية كاملة... وقانون مطبوعات يحميني... ولو كانت الأحكام العرفية في خبر كان، ولو أن المحاكم الاستثنائية لا وجود لها، ولو... لكنت أفْحمتُ هذا المسؤول وشحّرته...!

بس إلا ما يجي يوم... 

 ■ ضيا اسكندر - اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.