المخرج هيثم حقي: الدراما السـورية حجزت مكانها  كصناعة على خريطة البث العربية الفن الجيد لا تستطيع أية قوة أن تحبسه طويلاً

■■ ولّى زمن الفن الموجه نحو هدف واحد غير مأسوف عليه..

■■ منذ اليوم الأول لعملي في التلفزيون أدركت صعوبة التعامل مع 20 رقابة عربية دفعة واحدة..

■■ أفكر طويلاً قبل اختيار العمل بسبب إحساسي بأنه لا وقت لدي أضيعه..

■■ أثق بأن الجيل الجديد سينجح!

بالرغم من أنه من مؤسسي الدراما السورية الحديثة، فإنه لم يتوقف كالكثيرين عند حد معين، ولم يتأطر في اتجاه معين بل كان متجدداً دائماً، وبقي من أبرز المجددين في مسيرة هذه الدراما شكلاً ومضموناً، محافظاً على أفكاره وعلى مشروعه الفني، دون أن يقدم أي تنازل لصالح تيار فني أو ..أو، بل كان مؤسساً لخطه الفني المستقل الذي يسعى لتقديم أعمال فنية تحمل المتعة والمعرفة للمشاهد، حاملاً إلى الشاشة هموم الوطن والمواطن.. هيثم حقي اسم يرتبط بالكثير في ذاكرتنا .. قابلته قاسيون وكان هذا الحوار:

■ بعد شهر  رمضاني مزدحم بالأعمال الدرامية هل تعتقد أن الدراما السورية تحولت أو ابتعدت بشكل نهائي عن مشروعها الثقافي أو الفني لتتحول إلى منتج تجاري بحت؟

■■ لم يكن هناك في يوم من الأيام مشروع ثقافي أو فني عام للدراما التلفزيونية السورية . فقد كانت دائماً معتمدة على مشاريع فردية من هذه الناحية، لكن المشروع الأساسي غير المعلن لهذه الدراما كان إنشاء صناعة تلفزيونية سورية، وهو أمر شديد الأهمية، وقد تحقق. أما المستوى الفني والمشروع الثقافي فهي أمور لم تكن موجودة أصلاً إلا عند أصحاب الهم الفني والفكري الذين شكلوا جزءاً من هذه الصناعة وأنا منهم، ولا أجد أنني أنا أو من يحملون مثلي هماً فنياً أو ثقافياً قد تراجعوا عما كانوا قد بدؤوا به، لا بل أستطيع أن أجزم العكس، فقد كنت في مرحلة ما قد وصلت إلى اليأس من إمكانية نمو التيار الذي أنتمي إليه مقابل التيار التجاري والشكلاني الذي بدا طاغياً منذ فترة، ولكنني الآن أشعر بتجدد الأمل في قوة هذا التيار الذي يسعى إلى تقديم المتعة والمعرفة للمشاهد ويحمل إلى الشاشة هموم الوطن والمواطن.

■ يقول البعض إن الدراما السورية بالطريقة التي تسير بها تتجه نحو التدمير الذاتي، ويراهن البعض على سرعة حدوث هذا السيناريو، معتمدين على عشوائية الإنتاج التلفزيوني، الذي يقوم على الكم أكثر من الكيف، فهل ترى أن هذه النظرة التشاؤمية صادقة؟

■■ لا أعتقد ذلك، فالدراما السـورية، كما كتبت عدة مرات، حجزت كصناعة مكانها على خريطة البث العربية ولن يتم زحزحتها بسهولة عن هذه الخريطة. ودليلي على ذلك بأنه لم تتم زحزحة الدراما المصرية التقليدية من مكانها على هذه الخريطة رغم ملل الجمهور العربي عموماً، والمصري خصوصاً، منها ووصوله حد الإشباع وأحياناً السخرية، كما نقرأ في الصحف المصرية. ورغم كل العشوائية التي تتميز بها هذه الدراما ورغم تغليب الكم على الكيف بصورة أكبر من الإنتاج التلفزيوني السوري. الموضوع له علاقة بالسوق والسوق بيد أصحاب القرار في التلفزيونات العربية وهم يريدون عموماً دراما تلفزيونية مسلية ولا توجع الرأس ويتمنون أن نختفي نحن ومشاريعنا الثقافية وهموم مواطننا وتذكيرنا الدائم لهم بقضايا الوطن.

لكننا ونحن نعلم هذا الحال لن نستسلم له وإنتاج هذا العام يثبت برأيي ذلك، فقد كانت هناك إنتاجات مهمة تستحق عليها الدراما التلفزيونية السورية التحية من حيث التنوع والبحث عن الموضوعات ذات الأهمية. أما المستوى الفني فبرأيي أنه أصبح عموماً أعلى من ذي قبل.

■ بعيداً عن الشهر الرمضاني هل تعتقد أن الدراما السورية قادرة على أن تؤسس لمشروع متكامل، أو تتوجه باتجاه هدف موحد قد يدفع بها إلى الأمام؟

■■ ليس مطلوباً منها ذلك. بل ويفضل أن تتعدد الأهداف والآراء. أما زمن الفن (الموجه نحو هدف واحد) فقد ولى إلى غير رجعة، وبرأيي غير مأسوف عليه.

■ قُدمت كما جرت العادة في شهر رمضان مجموعة من الأعمال التاريخية، إلاّ أن هذه الأعمال بدأت تُقدم بشكل مختلف عما اعتدناه وتخطو باتجاه مناطق كانت محرمة قبلاً، وتقدم صورة مغايرة للبطل، فهل تعتقد أن التغيير في هذه الأعمال بمجملها جاء طبيعياً نتيجة لتطور الدراما عموماً، أم أنه أتى قسرياً؟

■■ أتى برأيي بسبب إحساس الفنانين والكتاب بمسؤولية حقيقية عما يجري. وبسبب الرغبة بتقديم مستوى فني أفضل، وبسبب تسابق المحطات على اجتذاب المتفرج . فقد اكتشفت هذه المحطات، بعد أن روّجت طويلاً للمتفرج المتعب الذي يريد أن يتسلى حين يأتي إلى بيته، بأن هذا المتفرج اندفع نحو قنوات الأخبار والسجالات الفكرية، فأرادت أن تعيده إليها على الأقل في رمضان، وكانت وصفتها السحرية في البداية الدراما الشكلانية، لكنها لم تصمد، فاضطرت هذه المحطات لتقديم تنازلات مؤقتة، على أن لا تتجاوز الخطوط الحمراء التي تمس بقدسية وأبدية النظام السياسي العربي الراهن.

لكنها لم تستطع أن تمنع المتفرج أن يقرأ دلالات بثت له بين السطور، وهذا شأن الفن الجيد لا تستطيع قوة أن تحبسه طويلاً.

■ عرض رمضان مسلسلك الأخير «ردم الأساطير».. وقد ترددت حوله آراء نقدية مختلفة، فالبعض رأى أن النص الذي قدم ضعيف والبعض الآخر رأى أن الموضوعة التي قدمت مهمة إلاّ أن معالجتها كانت ضعيفة، فما هو رضاك بشكل عام عن هذا المسلسل؟

■■ أختلف مع هذين الرأيين تماماً، وأحترم وجهة نظر قائليها. لكنني أخشى أن لا تكون المشاهدة دقيقة للعمل بسبب الزحمة الرمضانية. فقد سمعت آراءً شبيهة عن ( الأيام المتمردة) ثم تغير الأمر عند عرضه بشكل لائق في المحطات العربية. ( ردم الأساطير) نوع جديد أحببته ورأيت أن قول كلمة حول صراعنا الحضاري مع العدو الصهيوني يكمل مشروعي الذي بدأته في  (عز الدين القسام) ولذا أخرجته. وبالمناسبة أنا أنتقي النص الذي أعمل عليه كل عام من عشرات النصوص التي تقدم لي، وأفكر طويلاً قبل اختيار العمل بسبب إحساسي بأن لا وقت لدي أضيعه.

■ هل تعتقد أن هذا المسلسل سيؤسس لنوع في الكتابة يقدم مسلسلات مشابهة لاحقاً؟

■■ هو نوع نحتاجه. أتمنى ذلك.

■ يقدم البطل في هذا المسلسل بشكل اقرب من شكل البطل في الأفلام الأمريكية فهل كان ذلك متعمداً؟

■■ لا أعتقد أن البطل في المسلسل يشبه لا من قريب ولا من بعيد الأبطال الأسطوريين للأفلام الأميركية البوليسية. وأعتقد أن أي متفرج يعرف هذه الأفلام جيداً يجد أن أبطالنا لم يحققوا إلا ما هو ممكن في ظروفنا.

■ استطعت أن تنأى عن أشكال الإنتاج التلفزيونية السلعية إن استطعنا القول، لتستمر بمشروعك الفني بخطى ثابتة وواضحة المعالم، محمياً بتاريخ من الأعمال المتميزة، فهل تعتقد أنك ستبقى بعيداً عن متطلبات سوق الإنتاج التي قد تؤدي إلى أن تبعدك عن مشروعك الفني والثقافي؟

■■ منذ اليوم الأول لعملي في التلفزيون كنت مدركاً لصعوبة التعامل مع 20 رقابة عربية دفعة واحدة ، لكنني اكتشفت في الرقيب العربي جانب المواطن وجانب المتعطش والمحب للفن الجيد، لذا فقد شاهد المتفرج العربي، وما زال يشاهد: «دائرة النار» و«هجرة القلوب إلى القلوب» وصولا إلى «الأيام المتمردة» و«ردم الأساطير» مروراً بـ«الدغري»، و«خان الحرير»، و«الثريا» وغيرها الكثير. وقد تعلمت من خلال معركة توسيع الهامش الفني والإنتاجي والرقابي التي خضتها عبر ثلاثين عاماً من العمل السينمائي والتلفزيوني، أن هناك طريقتين للتعامل مع الواقع الصعب لعملنا إما ندب هذا الواقع والجلوس في البيت، أو خوض غمار معركة شد الحبل بينك وبين الرقابات والمحطات لتغيير الشروط الإنتاجية والرقابية، وأنا فخور اليوم بما توصلنا إليه، رغم ضآلته أمام ما هو مطلوب. لكننا بدأنا بإزاحة الحائط ولم نهدمه.

■ هل تعتقد أن هدمه ممكن؟

■■ للأسف ليس في جيلنا، لكننا بدأنا خطوات نحوه، سيتابعها بكل تأكيد الجيل الذي سيأتي بعدنا. وعندي ثقة بأنه سينجح.

 

■ حاوره عمرو السواح