لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك مازال اسمي ترينتي

في طفولتنا ومراهقتنا نحن جيل الثمانينات كان الكاوبوي هو بطلنا المفضل، كنا في أعماقنا نحبه ونحتاجه، فهو البطل الرشيق الجذاب الوسيم واللي دمه خفيف عند الضرورة والعنيف في ضرورات أخرى، لأنو في ناس ما بتجي غير بتكسير الراس، وبين متاهات المغامرة من حرب وحب يظهر لنا الكاوبوي من خلف غبار المغامرة وهو يشعل سيجاره عبر حك عود الكبريت بكعب حذائه «السانتياغو» ملقياً نظرة متحدية ومستهترة بالأعداء وبقواهم الجرارة.

في الثمانينات وفي عز شبابنا، تابعنا مشوار البطولة الذي بدأناه في سبعينات طفولتنا مع الكاوبوي، عندما كان موعدنا يوم الجمعة مساء مع ألفرجيني وصديقه ترامباس وبالأبيض والأسود، ولكن ألفرجيني لم يكن يشفي غليلنا فكنا نهرب من المدرسة ونمضي إلى كلينت إيستوود وجون واين في دور السينما الحلبية أيام ما كان في سينما، وكان فيلم " الرجل الذي لا يقهر" هدفاً مباشراً لغزواتنا السينمائية، دخلنا مراراًَ وتكراراً إلى سينما الكاوبوي، وتسمرنا مراراً أمام الشاشة الفضية الساحرة محبوسي الأنفاس تارة، وضاحكين تارة أخرى، حزانى تارة، وسعداء تارة أخرى، شاهدنا البطل وهو يشعل سيجار خصمه بواسطة طلقة نارية من مسدسه البرابيللو، وشاهدناه يطلق النار على أقدام الأعداء فيجبرهم على الرقص مع موسيقا مناسبة نزلت من السماء، شاهدنا العدو الشرير الثاني وهو يخطف البطلة ويقلل الأدب معها، ويتبختر ويتكبر ويتجبر أقصى درجات التكبر، وشاهدنا العدو ذاته وهو يقع بين أيدي البطل المنقذ ويصبح مثل الأرنب، ولكن العدو الرئيسي للبطل كان ذا كبرياء دائماً، لم يكن الكاوبوي ليذله، شاهدنا بود سبونسر الضخم وهو يطبخ الفاصولياء الشهية بالمقلاة وعلى الحطب في البراري، وشاهدناه يشعل سيجارته بواسطة عود طويل كان يحرك الجمر به، وشاهدنا ترانس هيل الوسيم اللذيذ النحيف نائماً وهو يرخي قبعته على عينيه، وشاهدناه مستيقظاً فجأة وهو يطلق النار على سارقي الأبقار، وكان فيلمهما «ما زال اسمي ترينتي» هو فيلمنا المفضل، فشاهدناه في كافة أوقات رحلته من سينما حلب إلى سينما الأهرام باتجاه سينما فؤاد ومروراً بسينما اليرموك وانتهاء بسينما الزهراء الأكابرية، وكانت السينمات الأكابرية لا تعرض أفلام الكاوبوي لأن جمهورها من الرعاع من أمثالي، ولكنها وبناء على إصرار زبائنها بدأت بعرض هذه الأفلام مع وضع لوحة مكتوب عليها «ممنوع دخول الأحداث» تفادياً لدخولنا نحن الأحداث الرعاع .
وبالطبع فإن المثقفين لم يقبلوا أن لا ينتقدوا الكاوبوي، فاتهموه بالغطرسة وشوفة الحال، كما اعتبروه ممثلاً للإمبريالية، فانحسر عن شاشتنا رويداً رويداً من سميث وجونز إلى ألفرجيني وترامباس، وعوضوه بكاوبوي محلي هو البدوي، لمع نجم زهير النوباني فيه عبر دوره الشهير«بطيحان» الشرير، وبعد سنوات طويلة شاهدت فيلماً حديثاً لميل غيبسون من صنف الكاوبوي، وشاهدت بطلي المفضل «ترامباس» يظهر ككومبارس في أحد المشاهد، فبكيت على بطلي الثمانيني وهو يتحول إلى كومبارس ما بعد الألفية، ولكنني تمالكت نفسي وأسعفت ذاتي بذكريات من الزمن الغابر، عندما طلب مني أستاذ العربي أن أضع فعل «مازال» الناقص في جملة مفيدة، فأجبته بسعادة ودون تردد: «ما زال اسمي ترينتي».