لقمان ديريكي لقمان ديريكي

صفر بالسلوك غير جاهز للحلم

يحدث أن تحلم وأنت مستلقٍ على كنبتك المفضلة متفرجاً على برنامجك المفضل على قناتك المفضلة متدثراً بغطائك المفضل مادّاً يدك بين الفينة والأخرى لتدفئها بوهج أسلاك السخانة الصغيرة المستديرة الشهيرة التي يعرفها كل سكان المدن الجامعية في بلادنا، هذه السخانة تبع الخمسة وسبعين ليرة، وهذه ال..تبع.. فصيحة فصاحة الديك الذي على مزبلته صيَّاح، وما أدراك ما صيّاح، خاصة وأنك من عشاق أبو صيّاح، وذلك الغطاء الذي صنعته لك أمك يا روح أمك منذ آلاف السنين وهي جالسة بجانب المدفأة الحطبية أو المازوتية، تلك المدفأة وذلك الغطاء هما من أشهر أبطال التدفئة، قسم التدفئة الموضعية، على العكس تماماً من الشوفاج الشامل بطل قسم التدفئة المركزية الأول، ويحدث أن تحلم بأن موبايلك رن، وأنك أمسكته بيدك ونظرت لترى من المتصل، فتلمح ذلك الرقم العزيز والغالي على قلبك والذي حفظته عن ظهر قلبك وأنفك، تتأمل الرقم الحبيب وتقرأه رقماً رقماً وتسعةً تسعةً وأربعة أربعة وتدخل في تفاصيله وتخرج متأكداً أكثر مما كنت متأكداً بأن هذا الرقم هو رقم فتاة أحلامك التي دائماً ما تكون عصيّةً عليك، إنه رقمها فهاهي نخّت وانتخت وأحست بأوجاعك العشقية وأمراضك اللوف ستورية، ولكنك وعلى الرغم من تأكدك فإن ثقتك الضعيفة بنفسك حتى في أحلامك تجعلك تفكر بأن من الممكن أنها لا تقصد أن تتصل بك، وإنما هي مجرد ارتكاب خطأ في الاتصال، ثم تفكر أن حبيبتك أصلاً ومنذ البداية كانت ترتكب الأخطاء في الاتصال فلماذا تستغرب ذلك الآن؟ أو لم تكن عندما نظرت إليك من فوق لتحت وأرسلت ذلك الشعاع الغامض المثير إليك ترتكبُ خطأ في الاتصال؟ أو لم تكن عندما طرقت على كتفك ذات يوم وأنت في استرسال ما مع صديق ما، وقطعتْ عليك استرسالك وإرسالك وأنفاسك وحياتك ترتكبُ خطأً في الإتصال؟ أو لم تكن عندما مدّت اسمكَ في أرجاء المكان فسمع الجميع وأنت بالتحديد صوتها الذي بلا أوصاف يحمل بين تموجاته الصوتية الفيزيائية النووية حروف اسمك ترتكبُ خطأً في الاتصال؟!!!

تستمر في الحلم مهزوزاً غير واثق وغير متأكد من شيء، بل إنك ما إن تهم بفتح الموبايل بعد مئات السعلات والنحنحات وباقي أنواع التحضير الصوتي من شرب الماء ومسح الشفتين باللسان لترطيب البوابة الخارجية لفمك، حتى يفصل ويفطس ويأفل وينطفئ ويصبح جثة معدنية هامدة دون أضواء ودون نغمات ودون ميزات ودون بلوتوث أو بلوتوس وباقي فنون التواصلات البريئة واللطيفة ما قبل مرحلة الانغماس الكلي في بحر التطبيق والترتيب والفك والتركيب، وبالطبع فإن في انتهاء شحن الموبايل كارثة، فتبادر إلى حمله خارج الحلم لتشحنه في البريز المجاور لك، ولكنك تجد فيش السخانة الصغيرة التي تدفئك من تحت يحتل البريز باقتدار وجدارة، تهم بسحب الفيش ولكنك تغير رأيك لمجرد تخيل نفسك دون هذه السخانة لعشر دقائق لأنك تذكرت أن مدفأة المازوت خاصتك في إجازتها السنوية كالعادة في هذه الأوقات عز أربعينية الشتاء، تنظر حولك فتجد البريز الآخر بعيداً وسيكلفك الذهاب إليه رفع الغطاء عن نفسك، وهذا بحد ذاته كارثة الكوارث، فالبرد شديد ولا مجال لرفع هذا الغطاء الذي يدفئك موضعياً من فوق، تنظر بحزن وحنان إلى مدفأتك الصغيرة المستديرة الشهيرة وتلمح بمتعة لا توصف متاهتها البرتقالية المتوهجة، فتمد يديك واضعاً الموبايل على الطاولة وتأخذ ذلك الدفء الموضعي السريع، وتتلمس بيدك التي احترقت قليلا قماش الغطاء الثمين القديم الذي صنعته أمك يا روح أمك، ثم تنظر إلى الموبايل بأسف وأنت تهز رأسك، اليوم أيضاً أنت غير جاهز للحلم.

آخر تعديل على الأربعاء, 02 تشرين2/نوفمبر 2016 13:34