غسان فرحات.. بساطة وصدق!

غسان فرحات.. بساطة وصدق!

تعرفت على الشاعر الشعبي غسان فرحات من خلال أغنية للفنان لؤي العقباني «يلي رخص سعر الدم مثل اللي غلّى الأسعار» صادفتها على إحدى صفحات الفايسبوك مؤخراً، وبدأت بالبحث والتنقيب عن قصائده الأخرى..

 

لطالما كنت مهتماً بالحديث عما يسميه البعض «الأغنية الملتزمة»، أو «الأغنية الوطنية».. ولكنّ التفاوت في تعريف الأغنيتين، وفي إعطائهما هذا الوصف أمر شديد التعقيد، وكثيراً ما يخضع لاعتبارات سياسية تفرضها هذه السلطة أو تلك، هذه المرحلة أو تلك..

بمقابل التخبط الحاصل في التعريفات وشؤونها النظرية، تظهر هنا وهناك على الأرض السورية، وبشكل ملموس وعملي، ملامح أغنية تجمع الوطنية بالالتزام؛ الوطنية بمعنى الانتماء للبلد بكامله، والحرص على وحدته، والسعي لِلَئْمِ جراحه والخروج من أزمته، والالتزام بمعنى الوقوف إلى جانب الأغلبية الساحقة المسحوقة من السوريين، والتي عانت وتعاني الويلات من جراء الأزمة الطاحنة. بين هؤلاء يظهر غسان فرحات الشاعر الشعبي السوري ابن محافظة السويداء، والذي يصعب على متابعه أن يفصله عن الفنان لؤي العقباني الذي غنى معظم قصائده، ليشكلا معاً ما يشبه ثنائياً له هم واحد وقضية واحدة..

تمتاز قصائد (أبو أمجد) ببساطة كبيرة مشحونة بالمعنى العميق، حتى أن قارئها يمكنه التعامل معها بوصفها بيانات سياسية! رغم ذلك فهي من الصدق والبساطة بما يكفي لتمريرها نحو قلب السامع/ القارئ دون جهد يذكر.. يصف أبو أمجد تجار الأزمات مبيناً أنهم أعداء لحل الأزمة ومصرون على استمرارها، وهو الكلام الذي تتحاشى قوى سياسية بطولها وعرضها قوله: (دفعنا مال المسؤول للبيك العامل سمسار/ تاجر دم من المغول عبياكل مثل المنشار/ متمني هلأزمة تطول ليكملهون ع المليار).. وفي قصيدة أخرى، يحدد موقفه منهم بما يشبه تحريضاً مباشراً للسوريين المنهوبين للتكاتف وللعمل: (هي مجموعة منهزمة ولدت من رحم الأزمة/ دوس رقابون بالجزمة ولا تقبل منهون أعذار)!

لا يفوت الشاعر استخدام النمط التهكمي في بناء قصيدته، يظهر ذلك واضحاً في قصيدته (يا ربي شو سوينا؟) والتي يسرد فيها على لسان الراوي «ملحمة المواطن ورغيف الخبز» بشكل الكوميديا السوداء التي تكثف المعنى وتقود المرء للسخرية من واقعه الأسود سخرية ناقدة تؤسس للفعل اللاحق.

تأخذ قصائد الشاعر الذي يتناول الشأن العام خصوصية إضافية بلهجتها العامية، والتي يبتعد بالاستناد إليها عن الشكل الخطابي المباشر، حتى وإن كان بعض ما يكتبه كذلك أحياناً! فمن ميزات العامية أنها قادرة على إعادة الألق لشعارات لا تزال ضرورية وحقيقية، لكن كثرة استخدامها «الفصيح»، وتكرارها من بعض السياسيين الذين لم يكونوا أوفياء لها، جعلها مكروهة بين الناس.. 

إنّ النموذج البسيط الذي يقدمه أبو أمجد، يستحق، هو ونماذج أخرى، أن يكون نقطة انطلاق من حيث روحيته وغايته، وذلك بغض النظر عن بساطة الأدوات الفنية، وربما تواضعها في بعض المواضع، لكن روحها القوية والصادقة هي التي تحملها وتوصلها إلى قلب من يسمعها..