كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر
أحلام طرايرة أحلام طرايرة

كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر

كثيراً ما تستوقفني منشورات وصور واقتباسات على فيسبوك فيها من الاستهزاء بالآخرين والتقليل من شأنهم- عن دراية أو غيرها- لمجرد كونهم مختلفين وأقل قدراً بالضرورة، فهي بمجملها تستهدف ذوي البشرة السوداء والنساء كعناصر بشرية تُصنّف كإنسان من الدرجة الثانية في بلادنا على وجع التحديد لا الحصر. 

بالطبع الخطاب الموجّه لذوي البشرة الشقراء هو خطاب آخر، فهم مختلفون أيضاً لكن عقدة الدونيّة التي يعانيها العربيّ اليوم تجعل الحديث عنهم يأخذ طابعاً حقديّاً يُسهب فب الحديث عن الانحلال الأخلاقي المزعوم في الغرب حتى لدى "رابطة هواة التسلية عن طريق الاستهزاء بالآخرين"، فالعقلية العربية واحدة مع الاحتفاظ بحق الاختلاف في مستوى روح الفكاهة والدعابة. فالنكتة هي نتاج تركيبة ثقافية معينة.

 

في هذا السياق، استوقفتني صورة لعرس جماعي "أسود" يظهر فيه عريسين يجلسان بجانب عروسيهما فيما يخفيان وجههما بأيديهما كمن يعيش لحظة ندم ومع آية قرآنية طبعت على الصورة تقول: "والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون". رآها البعض تندّرا بفكرة الصبر على مصيبة الزواج نفسه، لكن المعظم- وليس عندي شك في ذلك- تداولها على سبيل النكتة بالصّبر على مصيبة الزواج بامرأة سوداء والتي لا يُقدم شبابنا العربي مثلا على الزواج بها باعتبارها امرأة بشعة وفق معايير الجمال في العالم العربي، وكلنا نعرف أننا نعيش في مجتمعات يّفضل فيها الشباب عموما المرأة البيضاء، أو الشقراء إن وجدت. فالمرأة في عالمنا العربي باعتبارها أداة متعة بالدرجة الأولى، عليها أن تتصف بجمال جسماني محدد بتفضيلات ذكور المنطقة والتي توضع فيها الشقراء الطويلة النحيفة على رأس القائمة مثلا، ولهذا تستميت معظم النساء السمراوات للظهور ببشرة أكثر بياضاً أينما استطعن لذلك سبيلا.

 

الصورة الآنفة الذكر تستهزئ بالإنسان الأسود عموما، لكن المرأة بالطبع تتحمل وزراً أكبر لكونها امرأة أولا وسوداء ثانيا. وبالرغم من محاولة البعض إظهارها كصورة تتعلق بفكرة الزواج ليس أكثر، إلا أن المتابع لفيسبوك العربي يستطيع أن يرى أن النكتة تكون أكثر إضحاكا وفكاهة إذا تحدثت عن "أبو سمرة" أو عن امرأة، آخذين بعين الاعتبار أن الزواج يعتبر حلماً كبيراً –بعيداً- لمعظم الشباب العربي نظرا للمعيقات والمخاطر المتعلقة بالعلاقات العاطفية قبل الزواج من جهة ولتكاليف الزواج الباهظة من جهة أخرى. فمثلا، كانت ولا زالت تنتشر النكات المتعلقة بتهافت "الخيّرين" العرب على الزواج من اللاجئات السوريات (الجميلات) للتخفيف من معاناتهن ومعاناة أهلهن بتكاليف قليلة، فيما علّق أصحاب النكات مقترحين أن يذهب فاعلي الخير هؤلاء لمساعدة لاجئات صوماليات مثلا، مفترضين- وهم محقّين في ذلك- أن الجمال "الشامي" الذي تغنّى به العرب طويلا هو من جعل أئمة المساجد في العالم العربي يخطبون على قلب رجلٍ واحد يدعون الشباب المسلم إلى "فضيلة ستر اللاجئات السوريات" بالزواج منهن- واحدة منهن كأضعف الإيمان والزيادة في ذلك خير وأبقى، وكل ذلك الأجر العظيم المترتب على هذه الخطوة الإنسانية النبيلة وبأقل التكاليف أيضاً- فرصة ذهبية حقاً. 

 

حتى وإن عُدنا لتفسير النكتة على أنها تتحدث عن الزواج نفسه كمصيبة يندم عليها الرجل دون المرأة، فنحن أمام صورة نمطية أخرى تقول أن المرأة تسعى دائما لربط الرجل بزواج هو يتهرّب منه ما استطاع، وكأن الالتزام تجاه امرأة واحدة محنة عظيمة سيعيشها الرجل لبقية حياته وكأن المرأة ما وُجدت إلا لتتزوج، ولا يفكّر أحد ما أن ينظر من الزاوية التي تجلس فيها المرأة تجاه الالتزام لرجل واحد لبقية حياتها، فهذا أمرٌ مفروغٌ منه وغير خاضعٍ للطرح أساسا. حتى أن هذه السنّة الحياتية- أي أن المرأة لرجل واحد وهذا الرجل له نساء كثيرات- التي فرضها الرّجال وتنفّذها النساء صاغرات على أنها من ضمن الفروقات بين الرجل والمرأة التي عليها أن تتقبلها كحكمة إلهية هي نفسها التي تُطبّق في الآخرة مع مضاعفة عدد نساء الرجل إلى أضعاف كثيرة تتناسب طرديا مع درجة "التقوى" التي كان عليها في دنياه، فيما تكون المرأة- إذا كانت إمرأة صالحة مطيعة بالطبع- ليست إلا إحدى تلك النساء مع تفضيلها بكونها أجملهن- جسديا بالطبع! هذا كل ما تحصل عليه المرأة في آخرتها، جمالٌ مضاعف لإرضاء زوجها في الجنّة!

 

لطالما تساءلت، ماذا إذا لم تتزوج المرأة في حياتها؟ لمن سيتم وهبها في الآخرة يا ترى؟

 

هذا بالإضافة لأسئلة طفولية أخرى- بديهية في الواقع- مثل ماذا إذا تزوجت المرأة في الدنيا برجل لا تحبه، هل ستُجبر على البقاء معه في الآخرة أيضا؟ 

 

لدينا ازدواجية فاضحة عندما يتعلق الأمر بالمرأة، أولا هي تلتزم بذات الفروض الدينية المطلوبة من الرجل بالإضافة لأعباء جبرية أخرى كالطاعة المطلقة للأب والزوج والحجاب (والنقاب) وفي نفس الوقت لا يتم الحديث عن ثواب آخروي لها يضاهي ذلك الذي وُعد به الرجل، هي تكاد تكون كائنا هامشيا على حياة الرجل الآخروية في الجنة. ربّما لأنها في الظروف الطبيعية سيكون مآلها النار، فقد أُخبرنا منذ البدء بأن معظم أهل النار نساء. إذن فالمرأة- وفق المعيار الديني الثقافي العربي- هي إنسان أقل شأنا بتبعيتها غير المشروطة للرجل وبتقنين وجودها الدنيوي لإشباع رغباته وإرضائه فقط، وإلا لعنتها الملائكة حتى تموت.

 

هذه التركيبة العقلية الثقا-دينية لدينا تحط من المرأة بكل ما أوتيت من فرص حتى في النّكات المتداولة. فلقد فاجأني منشور على إحدى الصفحات التنويرية التحررية العربية يعرض حوارا بين المتنبي وشخصا آخر فيه:

 

"أراد رجل إحراج المتنبي فقال لـه: رأيتك من بعيد فظننتك إمـرأة! فقال المتنبي وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجل!"

 

لم يتنبّه مشرف الصفحة الذي نشر المنشور- إلا بعد حين- أنه بعيدا عن سرعة بديهة المتنبي وانتصاره على الرجل الذي حاول إحراجه، بأن المنشور ينطوي على "حقيقة" أن كون الشخص "إمرأة" هو في حد ذاتة إهانة وتقليلٌ من قدره ومنزلته.

 

بقي أن أذكر، أن هذا الموروث الذي تُعامل وفقه المرأة في بلادنا بهذا المنطق الأعوج، لا يستوقف إلا القليلين. فالمعظم هنا- نساءً ورجالا- يعتبرونه طبيعيا أبيضا من غير سوء. وكثيرون في منشور العرائس إياه لم يستوقفهم إلا أن هناك خطأ إملائيا في الآية القرآنية، أو أنه لا يجوز استخدامها في النكتة. بل أن أحد ما علّق على تعليق اعتراضي على الصورة قائلا: "كنت أظن أن زوجتي فقط هي النكدية!!"، هكذا يتحدث عن زوجته بعدم احترام ولا مبالاة وبكل أريحية، الشيء الذي لا تستطيع أن تفعله زوجته بالمناسبة!

 

لا يأتينّ أحد الآن ليلقي على مسامعي كيف قدّر الإسلام السائد المرأة، فأنا إمرأة وأستطيع الحكم على هذا الموضوع بالذات بشكل أكثر مصداقية وواقعية، وأستطيع أن أقول بملئ الفيه أن ما يُمارس بحقي وجميع النساء تحت مظلة الدين هو كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر... 

 

 

المصدر: موقع الحوار المتمدن