مسرحية «البلد السعيد»

تستيقظ إحدى الموظفات صباحاً، تغتسل، ترتدي ابتسامتها، وتذهب إلى عملها في إحدى المؤسسات الحكومية، لتعود بعد انتهاء الدوام منهكة، تعاني ألماً في عضلات الوجه الذي لم يعتد حمل تلك التعابير الجديدة.

يلوح شرطي مرورٍ بيده مودعاً أحد السائقين بعد أن أوقفه، متمنياً له رحلة سعيدة.

يُخرج بعض الشبان دراجاتهم النارية غير المرخصة، تلك التي كانت مخبأة في المستودعات، ينفضون عنها الغبار، ويركبونها ليجوبوا الشوارع مسرعين متهورين. لا حاجة للوقوف على إشارة مرور أو تجنب الشوارع الرئيسية، يكفي أنهم يحملون أعلاماً ويصدرون ضجيجاً فرحاً حتى يمروا بسلام..

مواطنون يظهرون على شاشة التلفاز الوطني، معبرين عن غضبهم من ارتفاع قيمة فواتير المياه والكهرباء وغلاء الأسعار وتأخر دعواتهم القضائية، بينما يحاورهم المذيع بكل موضوعية وتعاطف طالباً المزيد من التفاصيل.  

تلك هي بعض الملامح التي تسود الحياة في سورية الآن بعد المظاهرات والأحداث المأساوية التي عاشتها البلاد في الأسبوعين الماضيين، والتي قلبت الدنيا رأساً على عقب! الممنوعات أصبحت مسموحات وبالعكس، كما لو أن البلاد تؤدي عملاً مسرحياً أبطاله موظفو الحكومة والكثير من المواطنين.

أصبح الموظفون بين ليلة وضحاها لطيفين سعداء، نشيطين ومتعاونين.. أفراد شرطة المرور بدورهم تحولوا فجأة إلى أفراد نزيهين لا يرتشون، بل ويمتنعون في بعض الأحيان عن إيقاف المواطنين حتى في حال ارتكابهم مخالفات واضحة أو خطيرة.. ووسائل الإعلام أصبحت مهتمة بمعرفة مشكلات المواطن.

أوامر وتوجيهات المخرج كانت واضحة: «يجب الابتعاد هذه الأيام عن كل ما من شأنه خلق أي نوع من الانفعال الموّلد للصدام، مما يهدد بازدياد رقعة اشتعال الشارع السوري أكثر فأكثر، فتعم المظاهرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاح البلاد بأكملها..».. فما الحاجة للدعوة للإصلاح إن لم يكن هناك ما يحتاج إصلاحاً في ظل بلد مثالي يسكنه أفرادٌ مثاليون؟.

إلا أن أداء الممثلين المتصنع والضعيف من جهة، والتغير المفاجئ في طبيعة وخصائص الشخصيات التي يؤدونها عما اتصفت به من صفات قبلاً، ما يزال يقف عائقاً أمام اقتناع الشريحة الأوسع من الناس بجذرية وجدية هذا التغير، دون أن يمنع ذلك قسماً منهم من  المشاركة والتفاعل مع العرض، متفننين بلعب دور المواطن المتمتع بالاحترام من جانب موظفي الدولة، ومستفيدين من الميزات التي منحت لهم في ظل «مدة العرض المحدودة»..

أما البقية، البقية التي لا تتقن فن التمثيل الرديء، فمازال الاحتقان يتراكم في صدورهم، وقد تجتاحهم ثورة غضب مفاجئة في أية لحظة!.