ربمــا..! لا نزال بدواً، وبدواً سنبقى

 إلى خليل صويلح، بعد توقيع روايته الجديدة «سيأتيك الغزال»

 لا نزال بدواً، وبدواً سنبقى يا خليليْ، حتى لو صارت لنا جنسيّات أخرى؛ وجوهنا السّمراء لا تنسى شمساً طبختها.. وشومُ القبيلة في الدّم تحرّكُ الجينات.

ليس فينا من يتنكّر لأصلٍ من عربِ جْبُوْر أو بني خالدٍ، حتّى لو خلعنا الدّشاديش ولبسنا الجينزات! حتّى لو حلقنا اللّمم قصّة فرساتشي أو أطلناها كالخنافس!

نحنُ من القهوةِ العربيّةِ المرّة، ولطالما اصطبحنا على آبائنا يعطّرون المنازل بمهابيجِ البطم، ولطالما جاءتْ منها الروائحُ الحريفةُ كمداعباتٍ ساخنةً، فحيث لم نعتد تبادل تحيّة الصّباح اعتدنا أن نومي لبعضنا: صباح الشهوة!!

مرضى بالرمال منذُ «سِفْر الخروج» الكبير من الصحراء؛ بينما نضع الكاتشب على البيتزا تحنُّ القلوب إلى سمن المناسف، بينما نتحادث على الإنترنت لا يغيب السّؤال عمّا حلّ بأبناء العشيرة الذين غرّبوا إلى أمستردام، وبينما نتمشّى مساءً لا تثق الخُطا بأضواء الشوارع فنتضرّع إلى نجم سهيلٍ أنْ يسدّد المسالك. كان أسلافنا يهرعون لمرأى النار في بعيد الليل، ترى أيُّ معنى لذلك مع هذه الأضواء كلّها؟

مرّ زمان على الزمان الغنائيّ فبُحَتِ الأرواحُ، وها نحن ذا في الأحزمة الفقيرة نبني خياماً طابقيةً. أمهاتنا يفترشْنَ حصيراً أمام الأبواب، ولا يتوقفْنَ عن مناداة أخواتنا بالتصغير: نجيوى، مريومة..

فينا من يرقص «الدحيّة» في الديسكو. منّا من ينتظر صبيةً حضريةً ستهديه جدائلها في الجامعة. نحبُّ كالأكباش، نبكي كالأحصنة، نفي كالكلاب، ونظلُّ نقتفي آثار الغائب في الإسفلت والإسمنت.

بدواً سنبقى يا خليليْ.. نفكّر بالقنصِ قنصِ اللحظات العميقة، والغزوِ ضدّ أي غزوٍ.. ولو مرّ ما مرّ من زمانٍ لا نتوقّف عن ارتكاب فلواتنا بالاتساع الذي يزداد سعةً، فنحن طيور قطا توسّعُ السماء.

انظر ترَ الأرواحَ مشتعلةً تجتمعُ في السّاحة العامةِ وتصيرُ نصباً: دِلَةٌ مائلةٌ على فنجانٍ مفلطح.

 ■ رائد وحش