لورانس دي كوبر لورانس دي كوبر

أيروس.. سياسات اللانهاية

هنا مقتطف من كتاب لورنس كوبر الذي يركز اهتمامه على ثلاثة من عمالقة التقاليد الفلسفية: «أفلاطون وروسو ونيتشه».

 هذه القوة الداخلية، أي الأيروس، كانت بالنسبة لهم الشاغل الرئيسي وشيئاً منفصلاً عن الرغبة في الحفاظ على الذات. وقد ناقش الكاتب طويلاً معنى الأيروس وماهيته للوصول إلى ما أسماه هو «سياسات اللانهاية»، أي الرغبة في التخلي عن أنانية أنفسنا من أجل ما هو أعظم أو ما هو إلهي. في مقدمة الكتاب، كوبر يحدد الأهمية السياسية للأيروس من خلال ربطها بالإقدام والاندفاع. الإقدام يدفع بالروح إلى العمل (ولا سيما في السياقات السياسية والعسكرية) في حين أن الأيروس ينقل الروح كلها من خلال الرغبة الطيبة. بالتالي فإنه ما كرره كوبر مراراً في هذا الكتاب: «إنه روح الروح».

 

أنا لا أفترض أن العديد من القرّاء بحاجة لأن يقتنعوا بأهمية الأيروس فيما يخص فكر أفلاطون وفي الحقيقة لا يمكن أن تنشأ هذه الأهمية إلا من خلال التحقيق في الأيروس وتحديد ماهيته وما يريده. فيما يلي سوف أناقش من أجل الحصول على تفسير واسع جداً، وفقاً إلى أن الأيروس ليس فقط أكبر قوة في النفس بل إنه روح كل الرغبات، ولهذا فهو بشكل مباشر، أو غير مباشر، المحرك الأساسي لكل المساعي البشرية. يمكن مقارنة الأيروس الأفلاطوني في امتداده وطاقته برغبة نيتشه في السلطة ورغبة روسو في الوجود. يمكن أن نعتبره رغبة أو رغبة تعريفية. هو رغبة لكون الإنسان يستطيع أن يتكلم بشكل واضح عن مقصده وعن هدفه، ورغبة تعريفية لكونه يعترف بالمظاهر العديدة التي تتجلى على هيئة الرغبات الضيقة المتباينة. يؤكد الأيروس أنه روح الروح وأنه العصب المحرك للحياة البشرية.

يمكن للفلسفة أن تكون إيروتيكية. فقد كان سقراط يصف نفسه شخصياً تحت قناع الأيروس، لكنها ليست الإيروتيكية كما هي بالمعنى الدارج للكلمة. الأيروس في المعنى العادي للكلمة هو حب الجمال، الحب الذي يثبت بمصدره أو بمعناه الرغبة بالخلود. يعبّر عادةً عن الأيروس من هذا النوع بالحب الرومانسي، ولكنه أيضاً القوة المحفزة لأولئك الذين يرون في السياسة أو حتى في الشعر طريقاً للخلود. وإن الأخير هو من أهم تجليات الأيروس، أقله فيما يتعلق برصيد سقراط والذي ينسبه إلى ديوتيما*. ولكن إن لم تكن الفلسفة إيروتيكية بالمعنى المعتاد فإنها حتماً إيروتيكية بالمعنى الأصدق للكلمة، كونها تدرك أن الخلود في الحقيقة ليس ما نرغب به في أعماقنا أو ما يشبع رغباتنا بل إنها تجربة الأبدية واللانهاية. هذه هي غاية الأيروس الحقيقية، هذا يعني أن ما يسمى عادةً الإيروس ليس إلا نسخة معيبة من الرغبة سببها سوء الفهم لما يمكنه حقاً أن يشبع رغباتنا. في الواقع، الأيروس في المعنى المألوف بني على نوعين من الأوهام: الأول، أن الخلود (الخلود الدنيوي) ممكن، سواء عن طريق الأبناء أو الشهرة أو أعمال يبقى وقعها للأبد. الثاني، أنه إذا حُقق فإنه سوف يوصلنا إلى إرضاء شامل للرغبات. وإن الوهم الأول هو الذي يحافظ على معقولية الثاني.

 

*ديوتيما: الكاهنة التي أجرت حواراً مع سقراط حول الحب العذري وهو الحوار الذي دوَّنه أفلاطون في «محاورة المأدبة» الشهيرة، حيث أن أفكارها هي أصل مفهوم الحب الأفلاطوني..