حكاية عشق مزمن..

حكاية عشق مزمن..

شغلت الأديبة والقاصة السورية ألفة الأدلبي مكاناً أدبياً مرموقاً واهتمام النقاد منذ خمسينات القرن الماضي لحيويتها، ولغزارة إنتاجها، وتميز مشروعها القصصي برؤية مبدعة وأسلوب بسيط ورشيق ولغة سلسة، اكتسبتها من المطالعة ومن ممارسة الكتابة. ورصدت في معظم مؤلفاتها الحالة الاجتماعية والسياسية والثقافية الذي شهدتها سورية خلال تلك الفترة ونقلته في أعمالها. 

ففي قصصها المتخيلة بأحداثها والواقعية في مواضيعها وشخوصها، نجد أمامنا قاصة من نوع خاص، كتبت حكاية عشق مزمن لدمشق التي أصبحت عنواناً لمعظم كتبها، ونقلت في أدبها صوراً عديدة  للحياة الدمشقية. ومنها: (قصص شامية ـ وداعاً يا دمشق ـ  المنوليا في دمشق وأحاديث أخرى ـ نفحات دمشقية ـ عادات وتقاليد الحارات الدمشقية القديمة.. الخ). بالإضافة إلى حرصها على سلامة اللغة وجمالية المشهد، وقد روي عنها حبها للفن التشكيلي، وحيث أبدت إعجابها بإبداع الفنان التشكيلي الراحل «لؤي كيالي».

عن البداية!

وعن بداية تعرفها على الأدب تؤكد أنها: «بدأت القراءة في كتاب الأغاني وعمري لم يتجاوز الاثنتي عشرة سنة، كان لوالدي الفضل الأول في توجيهي الوجهة الأدبية، كانت مكتبته زاخرة بأمهات الكتب مثل: الأمالي والأغاني والعقد الفريد، وكان أترابي يتعجبون من قدرتي وصبري على قراءة تلك الكتب القديمة الصعبة».

وبعد تعرفها على الأدب العالمي، نضجت تجربتها، وتتحدث عن ذلك في مكان آخر: «لقد قرأت أعمال أنطون تشيخوف، وأعمال الكاتب الانكليزي سومرست موم، وأيضاً أعمال الكاتب الشهير موباسان، وقد تركوا في نفسي وأسلوبي الكثير من التأثير والإعجاب. إن الكاتب يختزن في عقله الباطن الكثير من الأفكار والمعلومات والآراء، وعملية التمثل واردة لدى الجميع، وأنا لاشك قد استفدت من قراءاتي لأعمال الآخرين، ولابد أن يكون ذلك قد ظهر بشكل أو بآخر في بعض أعمالي».

حالة متفردة..

تتميز قصصها بجمالية الحوار الذي ينبع من خصوصية التجربة، إذ حاولت تقديم المزيد من مبادرات تحرير المرأة وانعتاقها في الجانب الاجتماعي، وراكمت من خلال تفاصيل البيئة الكثير من الدلالات، والإشارات المعبرة عن تجربة فريدة ومتنوعة في خياراتها، فمثلاً امتزج في مجموعة «عصي الدمع» الهم الوطني، بالهم الخاص بالمرأة، حيث تناولت ثلاث قصص في المجموعة الهم العام، وأربع قصص أخرى تتناول الهم الخاص بالمرأة المقهورة بالفقر وبالسلطة الأبوية. 

ووظفت عدة أساليب لاستخدام الزمن، حيث تجاوزت المألوف في تقديم أحداث القصة في بعض قصصها، واستخدمت إطاراً زمنياً حراً، يتداخل فيه الحاضر والماضي والمستقبل. وقدمت الزمن من خلال الشخصيات، وحالاتها الانفعالية وآلامها، وخاصة في رسمها لحالة الأمومة!

من القصة إلى الرواية..

انتقلت الأديبة الفة الادلبي من عالم القصة إلى عالم الرواية، وحققت فيه حضوراً ملفتاً من خلال روايتها المعروفة (دمشق يا بسمة الحزن)، التي تعتبر رواية الاحتجاج على الواقع المعاش في ظروف القهر التي تعيشها المرأة، تدور أحداث الرواية إبان الثورة السورية على الاحتلال الفرنسي، وتنسج الكاتبة خيوط روايتها على ثلاثة محاور: محور الثورة، محور المرأة ، ثم محور مجتمع تلك الحقبة ونظرته إلى كل منهما، تحلل الرواية شرائح المجتمع الدمشقي في حقبة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي أما المحور الأساسي فكان حول المرأة ومعاناتها ومحاولات تحررها ممثلة بـ«صبرية» بطلة الرواية ؛ ويمكن اعتبار الرواية محاولة لتقديم بانوراما للحياة الاجتماعية في تلك الفترة.

في مسيرتها الإبداعية عدة أعمال ما بين الرواية والقصة نذكر منها إضافة إلى ما سبق: (ويضحك الشيطان، عصي الدمع، دمشق يا بسمة الحزن، حكاية جدي، وداع الأحبة، ما وراء الأشياء الجميلة، وكتاب نظرة في أدبنا الشعبي). 

ترجمت أعمالها والعديد من قصصها وكتبها إلى عدد من اللغات الأجنبية، منها «الإنكليزية، الألمانية، الفرنسية، الروسية، الهنغارية، الصينية، الإيطالية، التركية.. الخ»، ‏ كما تمّ اعتماد عدد من قصصها القصيرة لتدرّس في جامعات عالمية، كجامعات الصين، الولايات المتحدة، إسبانيا، روسيا، أوزبكستان. ووضعت بعض أعمالها في مكتبة بكين الوطنية.

ولدت الأديبة السورية ألفة الأدلبي في حي الصالحية بدمشق عام 1912، وتلقت علومها في مدرسة تجهيز البنات، ظهر ميلها إلى الأدب وهي صغيرة، وكانت تقرأ بنهم، وبدأت الكتابة لكن إحدى قصص مجموعتها القصصية الأولى (قصص شامية) شكلت منعطفاً مهماً في مسيرتها الأدبية، عندما أرسلت إحدى قصصها هذه عام 1947 إلى مسابقة في الإذاعة البريطانية، وفازت بجائزة أفضل قصة في الوطن العربي. 

كتبت للجرائد و المجلات مثل «مجلة الرسالة»، وفي عام 1940  انتسبت إلى جمعية الندوة، ثم التحقت بجمعية الرابطة الثقافية النسائية 1945.

توفيت الأدلبي عام 2007 عن عمر ناهز 96 عاماً، تاركة وراءها إرثاً ثقافياً كبيراً من القصص والروايات والدراسات الأدبية التي تميزت بالواقعية والتركيز على تصوير تفاصيل الحياة الشرقية، وسجلت اسمها كواحدة من أهم الأديبات السوريات في مجال القصة والرواية، حصلت على العديد من شهادات التقدير والجوائز السورية والعالمية. وهي عضو جمعية القصة والرواية. جري تحويل روايتها «الستائر» إلى تمثيلية تلفزيونية في الثمانيات وفي عام 1992 تحولت روايتها «دمشق يا بسمة الحزن» إلى مسلسل تلفزيوني.