الأوراق القاتلة..

الأوراق القاتلة..

تحلق الطائرات الأمريكية بأنواعها هذه الأيام في العديد من المناطق الساخنة المحيطة بنا، وأصبحت وسائل الإعلام والنشرات اليومية تتحدث بحماسة عن نشاطات ما يسمى «التحالف الدولي» في مواجهة داعش وشقيقاتها من التنظيمات المتطرفة الأخرى، لكن على أولئك الإرهابيين القتلة الحذر جيداً، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام السلاح الأعتى في ترسانتها!

إنه السلاح الذي سيغير موازين القوى، ومعادلات الصراع في المنطقة، لقد أطلقت الطائرات الأمريكية على مدينة الرقة منذ بضعة أيام أكثر من ستين ألف.. منشور ورقي!

تكتيك جديد..!

حظي الخبر على الفور بما يستحق من السخرية، ففي الوقت الذي غرقت فيه مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلانات والدعوات والصور والمقاطع التي تبجل الأفكار السوداء التي تتبناها تلك التنظيمات المتطرفة، وبعد أن أصبح للعديد من كبار الإرهابيين منهم حسابات رسمية على العديد من تلك المواقع التي يتابعها، ويعجب بها بعض من الشباب المتحمس للنسخة «الجهادية» الخاصة بتلك الجماعات، قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن رمي المناشير الورقية هو الحل الأمثل لمواجهة هذا الغزو الإعلامي الرقمي الداعشي المتفاقم، ربما يظن بعض جنرالات الحرب أن تلك الدعاية الحربية قادرة على أن تحدث فرقاً في وعي الناس في مناطق الصراع، حتى وإن كانت تستخدم وكأننا ما زلنا في الحرب العالمية الثانية!

عجز الكثير من المتابعين عن إخفاء دهشتهم من هذا التكتيك، وخاصة مع العودة إلى ما يتم تسريبه يومياً عن القدرة الإلكترونية للحكومة الأمريكية في مجال التنصت الإلكتروني والمتابعة الرقمية للحسابات الشخصية، وما يتم تناقله في الدوائر الخاصة عن كميات الأموال التي تصرف في سبيل تطوير المعدات المسؤولة عن مراقبة النشاط الإلكتروني للمستخدمين حول العالم.

لا يمكن لأي عاقل عندها تجاهل تورط الجهات ذاتها في السماح لتلك الحسابات الفيسبوكية السوداء بالنمو والانتشار، إنها الفيروس الفكري الجديد الذي وجد في منصات التواصل الاجتماعي، البيئة المثلى للتغلغل في العقول الغضة، وها هي اليوم تقوم بدورها على أكمل وجه ليطول أمد الصراع ويرتفع منسوب الدماء ويصبح الحقد المتبادل عنواناً أزلياً لأزمة تنقسم إلى أزمات مع مرور الأيام.

دلائل «داعشية»!

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فالمنشورات في حد ذاتها تحمل دلائل «داعشية» الطابع، انظروا فقط إلى المنشور بعنوان «ستشرق الحرية» الذي تم رميه منذ عدة أيام فوق مدينة الرقة السورية، حيث يظهر فيه أربع مسلحين بهيئة أبطال الأفلام الهوليودية المعتادة، وهم يشقون طريقهم بين أشلاء مقطعة وجثث مستلقية على الأرض، يرى مصمم المنشور أن «الحرية ستشرق» بعد أن تمتلئ الأرض بالدماء، وعلى يدي «رامبو» ورفاقه في مشهد لا يختلف كثيراً عما تقوم به داعش نفسها على الأرض السورية!

يعيد كل هذا إلى الأذهان ما تم إلقاؤه من منشورات قبل شهور قليلة فوق بعض المناطق العراقية، عندها أظهرت تلك القصاصات الورقية مشهداً غريباً لآلة طحن لحوم عملاقة وهي تطحن الشباب العراقي يشغلها أحد الملتحين ممثلاً تنظيم داعش الإرهابي، حملت الصورة الكثير من الترويج غير المفهوم والملتبس، وأعادت إلى الأذهان صور قطع اللحم البشرية التي أصبحت جزءاً من المشهد العراقي الدموي هذه الأيام، بدا وكأن أحداً لا يريد للون الدم أن يترك مخليتنا، لابد أن يلتفت البسيط المهزوم فلا يرى سوى القتل والذبح وطحن اللحوم البشرية، فإما  أن يمعن في الحزن والانكسار، أو يمسك سكيناً ليرد القتل بالقتل والحقد بالحقد..