لغز برج أريحا

لغز برج أريحا

ما زال النقاش حول برج أريحا، أو حول لغز هذا البرج إن شئتم، دائرا دون مشاركة فلسطينية أو عربية. وما زال السؤال هو هو منذ الخمسينيات: ما الهدف الذي أراده بناته منه قبل ما يقرب من 12 ألف سنة؟

ولم يتقدم أحد حتى الآن بنظرية مقنعة وشافية حول سبب بناء هذا البرج.

كانت النظرية السائدة التي تقدمت بها كاثلين كينون، الآركيولوجية الأسطورية التي كشفت عن البرج في منتصف الخمسينيات، تقول إن البرج جزء من النظام الدفاعي الذي يتكون من: السور، والخندق الذي تحت السور، والبرج. بالتالي، فهو برج مراقبة لكشف تحركات العدو، وربما لإطلاق مقذوفات حجرية أو سهام عليه.

هذه النظرية تزعزعت بعد ما يقرب من ثلاثة عقود عبر التركيز على نقطة ضعفها الأساسية: وهي أن البرج يقع داخل السور تقريبا. والمنطقي أن يضع برج دفاعي، أي برج للمراقبة، نفسه خارج السور، أي أن يكون بارزا، حتى يسهل على من يصعده مراقبة الأعداء.

انطلاقا من هذا الضربة الشديدة للفرضية الدفاعية، طرحت فرضية أن النظام كله، أي السور والخندق والبرج، وسيلة دفاع ضد الفيضانات، المحتملة دوما في أرض أريحا المنخفضة، لا ضد أعداء بشريين. أي ضد غضب الطبيعة لا غضب البشر.

غير أن هذه الفرضية تعرضت للانهيار عبر سؤال واحد: إذا كان الأمر أمر فيضان، فلماذا البرج، أصلا؟ مواجهة الفيضان ليست بحاجة إلى برج، ذلك أن أحدا لا يستطيع أن يرقب الفيضان، وأن يحذر منه قبل مجيئه. فالفيضان يأتي على حين غرة.

عليه، فقد أصيبت نظرية الفيضان في الصميم أيضا، وظل البرج لغزا.

بالطبع، هناك نظريات أخرى. مثلا، هناك نظرية أنثروبولوجية تقول إن البرج أقيم كي توضع عليه جثث الموتى لتأكلها النسور والكواسر، كما كان يحصل، في ما يبدو، عند بعض الشعوب. لكن السؤال هو: ولم يكون البرج بهذا الطول من أجل هذا الهدف؟ لا يحتاج مثل هذا الهدف إلى برج يصل ارتفاعه إلى تسعة أمتار تقريبا، ووصف، بناء على ذلك، بأنه أول ناطحة سحاب في العالم. وهناك من يقدر عدد سكان أريحا (تل السلطان) بـ400 إنسان. وقد احتاج بناء البرج إلى 100 رجل، وإلى 104 أيام عمل لبناء البرج. وهذا يعني أن البلدة استهلكت طاقتها بكاملها تقريبا لمدة ثلاثة أشهر ونصف لبنائه، من أجل أن تعلي الجثث للنسور!

وهناك نظرية تقول إنه برج للاحتفالات، الطقسية في أغلب الظن. لكن هذا قول عام جدا، ولا يرقى إلى أن يكون تبريرا لبناء البرج.

وقبل سنوات قدم ران باراك، وهو باحث إسرائيلي، فرضية جديدة. وامتلأت الصحافة العالمية، صحافة العناوين المثيرة، بعناوين تتحدث عن: حل لغز برج أريحا. تقوم الفرضية على ربط البرج بجبل القرنطل. ذلك أن الصاعد في درج البرج الداخلي، ثم الخارج إلى سطحه سيجد نفسه في مواجهة قمة جبل القرنطل، جبل التجربة. كما أن غياب الشمس في الانقلاب الصيفي يكون عند قمة الجبل تقريبا. بالتالي، فالبرج برج توقيت يحدد بدء الانقلاب الفصلي الصيفي.

حسن جدا، هذه نقطة جيدة. ربط البرج بالجبل، ومن ثم بالانقلاب الصيفي، أمر معقول. لكن الباحث سرعان ما أفلت هذه النقطة ودخل في السحر مباشرة. إذ صارت مهمة البرج هي مواجهة الظلال النازلة من الجبل، جبل القرنطل. وعبر تمثيل كمبيوتري، انحدرت الظلال من قمة الجبل نحو تل السلطان، ضاربة البرج كأول هدف في طريقها. ويمكن للمرء أن يتخيل كيف يسرّع نموذج كمبيوتري حركة الظلال، بحيث تبدو كوحش خرافي، وهي تتقدم نحو التل، وتضرب البرج، ثم تلتهم أريحا العصر الحجري.

إذاً، فالبرج مانعة ظلال، أو مانعة خطر الظلال. وقد في طرف تل السلطان الغربي، وتحت أقدام الجبل، وفي مواجهته، كي يحمي مستوطنة العصر الحجري من ظل الجبل! لكن كيف يمنع البرج خطر الظلال الداهم؟ هذا ما لا يقوله لنا الباحث. فقط هو دارئة ظلال!

عليه، فقد انتقلنا من برج مراقبة، إلى مانعة فيضان، إلى مانعة ظلال! انتقلنا من فرضيات معقولة على فرضيات سحرية، تخلى فيها هذا الباحث عن نقطة القوة الوحيدة لديه؛ وهي علاقة البرج بجبل القرنطل. فمن هذه النقطة يمكن للمرء، ربما، أن يبدأ، فاصلا البرج عن السور، كي يصل إلى شيء قد يفك لغز البرج،.

فالسور منشأة دفاعية، والبرج منشأة دينية... هذه نقطة البدء.