تجربة الأدب الفلسطيني الحديث (2 من 2)
حسام زيدان حسام زيدان

تجربة الأدب الفلسطيني الحديث (2 من 2)

لم تكن الحياة الأدبية في الواقع الفلسطيني بمعزل عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي مر بها الشعب الفلسطيني بعد 1967م، بل كان لها دورها الفاعل والمتواصل في رصد تلك الأحداث والتفاعل معها، وبالتالي كان لتلك الظروف دورها في تغيير مسار الحركة الأدبية الفلسطينية، وفي تطورها وتجديدها، لذلك، ومن السهل حصر ملامح التطور والتجديد والمعاصرة فيها.

 

فكان ميلاد الإذاعة الفلسطينية عام 1936م لأول مرة، ثم إذاعة صوت فلسطين بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية وكانت البرامج الأدبية التي تعنى بأدب الوطن من أهم ملامحها، ثم كتاب «أدب المقاومة» لغسان كنفاني الذي وضع المصطلح على طاولة البحث وفى ذمة التاريخ لأول مرة، حيث عرض لفكرة «المقاومة» في الأدب الفلسطيني، وقد نشر عام 1967م، ثم مزيداً ومنقحاً في طبعة تالية في 1968م، كما صدر كتاب لا يقل أهمية في الشعر الفلسطيني بعنوان «ديوان الوطن المحتل» عام 1968م ليوسف الخطيب.

أما في ما يتعلق بالرواية وفنها، فلم تكن الخبرة المضافة مع التجربة المعاشة، يجب بالضرورة أن تثمر فورا أدباً معبراً وجيداً، خصوصاً في زمن الأزمات. إلا أنه يمكن الإشارة هنا إلى تلك المرحلة تحديدا كان للشعر ومنجزاته الظهور الأكبر، حيث عبر الشعر عن نفسه على مستوى العالم العربي، والعالم الخارجي، بعد 1967م، فكان الشعراء الذين أضافوا إلى إنتاجهم إنتاجا أكثر توهجا، وشعراء ولدوا مع النكبة أو قبلها، من الأسماء الواجب الإشارة إليها: (إبراهيم طوقان- فدوى طوقان- عبد الرحيم محمود- توفيق زياد- مؤيد إبراهيم- محمود درويش- سميح القاسم- سالم جبران)، أما الرواية فقد صدر منها: «صراخ في ليل طويل/ جبرا إبراهيم جبرا»، «فداء فلسطين/ رجب توفيق»، «المجموعة 778/ توفيق فياض».. وغيرها. لم تكن الرواية بثقل وقيمة الشعر فنيا خلال تلك المرحلة، إلا أن تلك المرحلة صدر خلالها العمل الروائي الهام الأول لغسان كنفاني «رجال في الشمس» وهي التي يؤرخ بها ميلاد الرواية الفنية الفلسطينية.

ومع كل ما كان في 1967م خرج الفلسطيني إلى معنى الثورة، تتأجج المعاني ويعلو النشيد حتى عبرت عن نفسها في انتفاضة 1987م، لعل أوضح ملامح تلك الفترة (التالية لـ1967م) أن كثرت الدراسات العربية وغيرها حول الأدب الفلسطيني، وبالذات الجانب المقاومي فيه، مثل دراسة «محمود درويش شاعر الأرض المحتلة/ رجاء النقاش- القاهرة1969م»، و«الحركة الشعرية في الأرض المحتلة/ صالح أبو إصبع- بيروت 1979م». ويمكن الإشارة إلى أهم الدراسات عموما في الرواية الفلسطينية، منها: «عدد خاص لمجلة الآداب البيروتية/ عدد مارس 1964م»، «في القصة والرواية الفلسطينية/ إبراهيم خليل»، جهد خاص لإبراهيم السعافين والأقرب إلى الهدف المنشود في «الرواية في فلسطين في عهد الانتداب»، و«نشِأة الرواية والمسرحية في فلسطين حتى 1948م»، و«الرواية في الأردن»، «الأدب والمعركة/ جهد توثيقي»،  «الرواية في الأدب الفلسطيني (1950م-1957م)»، و«الرواية والحرب/ بقلم أحمد عطية أبو مطر»، «عدد خاص من مجلة أقلام العراقية في فبراير 1975م»، «الاغتراب في الرواية الفلسطينية/ بسام خليل فرنجية»، «الأدب الفلسطيني المعاصر في المعركة/ ثريا عبد الفتاح ملحس 1970م»، «زمن الاحتلال: قراءة في أدب الأرض المحتلة/ خليل سلامة السواحري»، «مراجعات ومتابعات في الرواية والقصة الفلسطينية/ شمس الدين موسى»، «في الأدب الفلسطيني الحديث قبل النكبة وبعدها/ عبد الرحمن ياغي»، «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948م-1966م/ غسان كنفاني» (وتجدر الإشارة إلى أهمية هذا الكتاب، حيث يعد إشارة هامة لميلاد أدب المقاومة كاصطلاح وكحقيقة – دار الآداب بيروت 1966م)، «الرواية في الأردن/ فخري صالح»، «نماذج المرأة البطل في الرواية الفلسطينية/ فيحاء عبد الهادي»، «أدب الانتفاضة الفلسطينية في الأرض المحتلة»، «أدب الحجارة- العدد الثالث والعشرين 1989م/ مجلة الكاتب العربي»، «أدب المرأة الفلسطينية/ كمال فحماوي»، «الشخصية في الرواية الفلسطينية المعاصرة/ محمد أيوب»، «نقد الذات في الرواية الفلسطينية/ مصطفى عبد الغني»، «في الرواية الفلسطينية/ نبيه القاسم»، «الأرض والثورة قراءات في الرواية الفلسطينية/وليد أبوبكر»، بالإضافة إلى ما ورد في قسم ببليوجرافي الدراسات في «مصادر الأدب الفلسطيني الحديث».

كما توجد العديد من الدراسات المفردة حول رواية أو مجموعة روايات أو حول كاتب بعينه، بالذات غسان كنفاني الذي يحتل الصدارة في تلك الدراسات بين مجمل روائيي فلسطين، وأيضا محمود درويش في الشعر.

ويمكن الإشارة إلى عدد غير قليل من الأسماء في الرواية والقصة القصيرة والشعر، ممن راجت بعد الانتفاضة الأولى والثانية، وإن كان منهم من أنتج الكثير قبلها، وقد احتلت موقعها الإبداعي عالية القيمة الفنية، تضاف إلى الأسماء التقليدية منها: عبد الله تايه، غريب عسقلاني، زكي العيلة، أحمد يعقوب، أحمد رفيق عوض، المتوكل طه، عزت الغزاوي، جمال بنورة، عبد الناصر صالح، أكرم النجار، يحيى الجو جو، محمد نفاع، محمد وتد، وغيرهم بالداخل، وبالخارج أمثال: حسن حميد، طلعت سقيرق، إبراهيم نصر لله، سحر خليفة، حسين يخلف..

 والملاحظ أن المنتج الإبداعي السائد بعد نكسة 1967م هو الشعر وله الكلمة الأولى: محمود درويش، سميح القاسم، وتوفيق زياد، بينما بعد الانتفاضة كانت الكلمة النثرية هي الأعلى؟! كما أشار محمود قاسم في كتابه «الأدب العربي المكتوب بالفرنسية» إلى إبراهيم الصوص الدبلوماسي الفلسطيني الذي شاء أن يخاطب الفرنسيين بلغتهم وطريقة تفكيرهم، فكانت روايته «بعيدا عن القدس»، تلك الرواية التي يمكن أن تصنف برواية تجربة التهجير أو الطرد التي ترتبط بالحروب. وقد عرض الروائي لتجربة طرد أسرة من بيتها في القدس حيث التشرد عام 1935م. أحب أحد الشباب العرب نبيل الفتاة اليهودية الجارة جابريللا، ثم تزوجا، وتمضي الحياة على الرغم من التناقض بين الزوجين بسبب الحب. وأرى في تلك الرواية خصوصية الكتابة بلغة غير العربية، وفي خصوصية التجربة.