السينما الصهيونية والكذب الذي صدقه العالم «1-2»
حسام زيدان حسام زيدان

السينما الصهيونية والكذب الذي صدقه العالم «1-2»

منذ مؤتمرها الأول في بال عام 1897 أي بعد سنوات قليلة من ولادة السينما، انتبهت الحركة الصهيونية إلى أهمية هذا الاختراع الحيوي، فمنذ التفكير في زرع الكيان الصهيوني في الجسد العربي الفلسطيني، وهم يخططون للاستيلاء على الحجر والشجر وتغيير فكر البشر،

 فكان تجنيد وسائل الإعلام المختلفة وفي مقدمتها السينما، لخدمة مخططاتهم الاستعمارية في فلسطين، وتم التشديد على ضرورة استخدام السينما كوسيلة لنقل الفكر الصهيوني إلى اليهود أنفسهم وإلى الشعوب الأوروبية بشكل خاص، وتطورت الخطط الآنية والإستراتيجية للصهيونية، بحيث جندت السينما للتركيز على «دعم فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين»، واستثارة عطف الأوروبيين وصبغ الفكر الصهيوني بالطابع الإنساني»، وتأكيد «حق اليهود في فلسطين» وإغفال ما عداه. ولاحقاً، مع احتدام الصراع العربي الصهيوني، وظفت الصهيونية السينما لتضليل الرأي العام العالمي بسلسلة من الأفلام التضليلية حققها سينمائيون وأوروبيون أمريكيون طبقاً للبنى السياسية الإمبريالية التي تتقاطع مع التوجهات الصهيونية.

ولا يخفى على أحد قدرة هذه  السينما على تزييف أو تكوين الوجدان والوعي التاريخي والعقائدي والفكري، فالسينما قادرة على صناعة تاريخ وهمي للشعوب، وتجسيد أحداث مختلقة واختلاقها، ومن خلالها يمكن إعادة ترتيب كل شيء، التاريخ، الجغرافية، الحقائق، وبواسطة السينما تستطيع أن تري أعتى المجرمين وهو يتحول إلى ضحية شجاعة، والعكس.

وبالتوازي مع أحلامهم وأفكارهم تبدأ أعمالهم، فأنتجت هذه الأفكار بعد مؤتمر بال أي في عام 1898 ووصلاً لعام 1984، أفلاماً تخدم فكرة تحسين الصورة الذهنية لليهودي في العالم، وأن لليهود حقاً في العيش على أرض فلسطين، وإظهار اليهود بأفضل الصفات، فقد بدأ نشاطهم السينمائي في هوليود منذ عصر السينما الصامتة، وبعد أربع سنوات من ولادتها، ظهر أول فيلم صهيوني التوجه وكان باسم «قضية دريفوس» عام 1899، وكان يعرض فكرة العداء لليهود في أوربا، من خلال مأساة الضابط الفرنسي اليهودي «دريفوس»، الذي اتهم بالخيانة العظمى لوطنه فرنسا، وموضوع فيلم «شمشون و دليلة»، الذي أنتج متوازياً زمنياً مع محاولات إعطاء تلك الشرعية المزيفة للوجود الصهيوني في فلسطين، الذي أظهر شمشون، القوي الذي يدافع عن الحق ضد ظلم الجبابرة الفلسطينيين، ممثلين في رموز دليلة وحاكم غزة، بينما تقدم دليلة صورة المرأة القوية الظالمة المستهترة اللعوب‌، أما النتيجة‌ فهي اعتراف دليلة بذنبها ووقوعها في حب شمشون الإنسان الذي خدعته دليله، للإيحاء بأن لـ«إسرائيل» المعاصرة جذوراً تمتد في التاريخ القديم عندما كان الصراع بين الفلسطينيين القدماء و «بني إسرائيل».

كما تضمنت الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة هجوماً واضحاً على شخصية العربي، وساهمت في ترجمة هذا الهجوم، أفلام للمخرج الفرنسي اليهودي «جورج ميلييه»، الذي أخرج عدة أفلام ساهمت في نشر هذه الرسائل، ومنها، «المهرج المسلم» عام 1897، «بيع جواري الحريم» 1997، «ألف ليلة وليلة» عام 1905، لتشكل تجسيداً حقيقياً لتوصيات مؤتمر بال، حيث لم يكن هناك فارق زمني بين تنفيذها وخروج التوصيات للعلن.

ولم تسلم الشخصية المسيحية وبالذات الكاثوليكية من شر هذه الأفلام، فقد كان الهجوم على المسيحية الكاثولوكية واضحاً في عدة أفلام جسدت هذا الخطاب، للمخرج «جورج ميلييه»، ومنها «الشيطان في الدير» عام 1899، «جان دارك» عام 1900، ونلاحظ هذا الارتباط بين الهجوم الذي حظي به العربي المسلم، وبين مناهضة الكاثوليكية، التي حاولت تلك الأفلام تحريف أفكارها والحذف والتعديل فيها.

وفي المسار نفسه كانت مناصرة الشخصية اليهودية، بعد اكتمال تشويه الأخر، هو ضلع المثلث الثالث الذي كانت تبثه الخرافة الصهيونية، ولإشباع العنصرية الصهيونية التي كانت تشكل لهم هاجساً، فكان لابد من أعمال سينمائية تؤكد تميز اليهودي الصهيوني، وقد جاءت للمخرج نفسه،  «فيلم اليهودي التائه» عام 1904، وفيلم «حادث يسيء لشيلوك» عام 1905.

وكانت المؤامرة تقتضي الربط بين مكونات الجغرافيا، وتاريخ الشعوب المراد إيصال الرسائل لها، فكانت هناك خطة متكاملة عالمية، فمثلاً في أوروبا يهاجم الإسلام الذي هو دين المستعمرات الأوربية، وصاحب التأثير الحضاري الإيجابي في الأندلس، وتدق الأسافين في الكاثوليكية، بهدف هدم مسلماتها بعد الثورة على حكم الكنيسة، وفي إطار ثورة صناعية تعيد تركيب المجتمع قيمياً، وعقائدياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وفي أمريكا كان الفراغ يشغل معظم مساحات البنية الفكرية والعقائدية، وحيث الخليط والأعراق المتعددة، والعلاقات الاجتماعية المتخلفة إلى حد وجود علاقة الرق، فتأتي الرسالة تبشيرية تزف اليهودي الحكيم البصير والطيب المتحضر، ليشغل هذا الفراغ الذي كانت تعيشه هذه القارة، ويعيد المخلص ليحكم الأرض بالعدل، فكانت العنصرية واضحة جداً في تفاعل السينما الصهيونية مع الأحداث والجغرافيا والتاريخ، حسب اختلاف المواقع.