الفنان ريبر وحيد لـ«قاسيون»:  كيف يمكنني الغناء والدماء تسيل في الشوارع؟!

الفنان ريبر وحيد لـ«قاسيون»: كيف يمكنني الغناء والدماء تسيل في الشوارع؟!

 المطرب والملحن وكاتب الأغاني ريبر وحيد يعزف على جميع الآلات الموسيقية، ويغني بأكثر من ثماني لغات. خريج كلية الحقوق عام 1994. حاصل على شهادة الدكتوراه في الموسيقى العالمية. عام 1997 حصلت على لقب فنان الرياضيين بسورية إذ قدمت أول أغنية رياضية في العالم العربي تشمل الأندية السورية لكرة القدم بالدرجة الأولى. «قاسيون» التقت الفنان ريبر وحيد وكان هذا الحوار..

 

• حدثنا عن منشئك الاجتماعي وبدايتك الفنية؟

أنا من أسرة بسيطة جداً من مدينة القامشلي، التي تعد مركز إبداع، لكنها منسية ومهملة من الإعلام السوري والجهات الرسمية، وقد ترعرعت في هذه المدينة المتنوعة اجتماعياً، والتي تضم الطيف السوري كاملاً (العرب والكرد والآشوريين والأرمن والسريان..)، وقد تعلمت كل اللغات التي يتحدث بها سكان المدينة، كما أني تعلمت اللغة الهندية نتيجة ولعي بالسينما، فعندما كنت صغيراً حيث شاهدت العشرات من الأفلام الهندية.. وقد أحببت الغناء منذ الصغر، وكان الناس يحبون موهبتي ويرونها مميزة، لكنني عانيت كثيراً حينها من ضغوطات والدي الذي كان يريدني أن أبتعد عن الفن وأتابع تحصيلي العلمي بحجة أن الفن حرام، لذلك كثيراً ما كنت أذهب إلى البراري لممارسة هوايتي وتنميتها.. وهو ما كان يتوافق مع ميلي للدخول في فترات من العزلة الذي أعتبره شرطاً للإبداع، ولكن دون الانقطاع عن المجتمع أو التعالي عليه.. فأنا أقدس التواصل مع الناس وأؤمن بالصداقة. لقد كنت مصراً على تطوير إمكاناتي لأحقق ما أطمح إليه.

بعد نيلي الثانوية أصبحت مدرساً في قرى المحافظة، وذلك بالتزامن مع دراستي للحقوق في دمشق.. وقد تمتنت شخصيتي وجاهرت بفني وإبداعي، وأقمت عدة حفلات أثناء وجودي بالجامعة، وأول لحن لي كان للفنانة نجوى كرم وكنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية وهو: «أنا ما فيي حبك أكثر من عيني»، حينها لم يكن أحد يصدق أن فنانة مثل نجوى كرم تغني من كلماتي وألحاني، بعدها قدمت أغنية رياضية عن الدوري السوري 1997 وحصلت من خلالها على لقب «فنان الرياضيين». وفي العام 1998 قدمت أغنية لكأس العالم اسمها «فرنسا» وحازت على التقدير، لكن تواطؤ بعض المسؤولين الرياضين في سورية حرمني من ألتقي جماعة «الفيفا» الذين لم يفلحوا بالوصول إلي!!!.

بعدها أهديت أغنية للمعاقين وحصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة 1999 بعنوان «شمس الأمل» كلمات الشاعر أسامة سعود، وما تزال الأغنية شارة البرنامج للمعاقين في القناة السورية الثانية

بعدها عملت ألبوماً مع المطربة اللبنانية ديانا حداد «شاطر» و«أهلا بهل الطلة» لمحمد المازن، وفي العام 2002 أنتجت أول ألبوم بعنوان «سيمفونية الحب» تضمنت أغنيات «خبرني يا طير، وعلى مهلك يا قلبي، إلخ» وبعد سنتين حصل حادث سير أثناء ذهابي لحضور مهرجان المحبة والسلام، وبوجود هذا الإعلام «الرائع» والاهتمام اللامحدود أرسل وزير الثقافة لي مبلغ 25 ألف ليرة سورية بدل الحادث، وكأني ميت من الجوع، وطلبت من الوزير ومرافقيه بتوزيع المبلغ عن الممرضات لأنني لست بحاجته ولست «شحاداً» حتى أقبض مبلغاً بهذا الحجم وأنا ذاهب إلى مهرجان وطني وبعد ذلك غبت طويلاً عن الساحة الفنية وصولاً إلى العام 2009 باستثناء عام 2007 حين عملت ألبوماً كردياً بعنوان «عيشو» طبعاً التأخير كان بسبب الوضع الصحي.

• وماذا عن مشاركاتك العالمية؟

بعام 2002 شاركت بالمهرجان العالمي للربيع «أغنية الربيع» بتركيا، وحصلت على المرتبة الأولى بين 16 مطرباً مشاركاً، وغنيت بثلاث عشرة لغة ولحنت أغنية «قذرقان» أي الدم الأحمر، عندئذ كان رئيس اللجنة بيتر جاكسون ومشارك معي آلتون جون وجون مايكل، وبحضور مطرب أهم المطربين الإسرائيليين «يان عذرا»، والأغرب أني لم أكن أعرف أنه إسرائيلي، المهم كنت المرشح لنيل الجائزة الأولى، لكن وبعد معرفتي وعلمي بمشاركة مطرب إسرائيلي ومن موقفي الوطني اعتذرت عن المشاركة علماً أن رئيس اللجنة ولأكثر من مرة خبرني أن حظوظي بنيل الجائزة قوية، لكن بعد انسحابي «خوزقني» الإعلام السوري ولم يعبّرنا أحد أو يسأل علينا أو بالأحرى «ما حدا اشترانا بفرنك»، ورجعت للوطن فلم نجد أحداً في استقبالنا، لكن بعد فترة وجيزة ذهب كل المسؤولين لاستقبال نجمة سوبر الستار رويدا العطية، نعم تركوا العالمية وراحوا على السوبر ستار؟!!

مؤخراً عملت أغنية وطنية اجتماعية سورية . . . ما الغاية منها؟

منذ عام النكسة في 1967 إلى وقتنا الحالي لم ينزل أحد إلى المنطقة المحرمة في مجدل الشمس، لذلك قررت أن أنزل وأعمل أغنية عن الجولان المحتل، ونزلت من على الفرس، وتلقيت تهديدات من الجانب الإسرائيلي بإطلاق النار علي مباشرة، وتدخلت هيئة الأمم المتحدة «UN» وطلب مني عناصر الجيش السوري الخروج فلم أنفذ أوامرهم وقلت لهم: هل تنكرون أن هذه الأرض سورية؟ فلماذا تطلبون مني الخروج؟

حصل كل هذا معي في الجولان لكن الإعلام السوري لم يأتي ولا بخبر صغير عن ما حصل، المفارقة أن أحد الفنانين ذهب إلى غزة تفردت صحف بأكملها بأخبار عنه، بينما حين نزلت وقررت التصوير بين حقول الألغام اختفى الإعلام السوري تماماً، ثم هل يعقل أن أغنية عن الجولان لا تبث على الشاشة الوطنية إلا ما ندر!!

لكن وبعد الأحداث الأخيرة في سورية قلت لهم هناك مكونات كثيرة لهذا الوطن وعلينا جميعاً أن نعيش بسلام وأخوة، لا معارضة ولا مؤيدين، لابد من العودة تحت سقف الوطن، وقررت أن أعمل أغنية عن سورية بكل اللغات فيها عن جمالها وفسيفسائها الجميل، وحضارتها بكل طوائفها الموحدة.

• وما هي اللغات التي غنيت بها؟

غنيت بـ «العربية، الكردية، الأرمنية، الأشورية، السريانية، الشركسيةـ» وهذه هي برأي المكونات الموجودة في سورية.

• بالعموم ما رأيك بوظيفة الأغنية؟

من أهم وظائف الأغنية أن تحمل مكونات الهوية السورية، وصولاً للوحدة الوطنية، والأغنية أحياناً يكون صداها أقوى من كل هذه التجمعات وأقوى من كل هذه المسيرات، لأن هناك ناساً مهمشين، فمثلاً الآشوريون والشركسيون مهمشون، وحتى التراث الكردي مهمش في الإعلام السوري فما الضير من ذلك؟ سورية لكل السوريين.

• ما رأيك بالموسيقا الشرقية؟ وخاصة بالنمط الغنائي الذي تغنيه؟

التراث يبقى هو الأساس، وأرضية كل إنسان تراثه، لذا على الجميع أن يكون مثقفاً تراثياً. والموسيقا الشرقية هي مصدر كل أغنياتي، لكن النظرة إلى الموسيقا البيزنطية والفرعونية والكردية والآشورية هي جميلة جداً ،حتى موسيقا بلاد ما بين النهرين لون حزين ورائع ينبع من المأساة التي يعيشها والعراق أكبر مثال، لكن الفن العراقي أصبح بين الفواكه البشرية وهزات الخصر والشَّعر المتمايل، وهذا خروج عن روح الأغنية، حتى الأغنية المصرية خرجت عن تاريخها وأصبحت أغنية الصرعات والحركات الإباحية.

أما الأغنية السورية فهي على المستوى الإعلامي ليست موجودة، علماً أن أقوى تراث غنائي موجود في سورية، لكنه في سبات دائم ولا من أحد يعيده إلى مجده، وأصبح الاهتمام كله بالدراما وينسون الفن والفنانين الذين يقدمون صورة أقدم حضارة للعالم فالأبجدية الأولى والنوتة الموسيقية خرجت من هنا لذا من الممكن أن يخرج من سورية العصر الذهبي للموسيقا بوجود هذه المكونات الرائعة المختلفة عن الدول الأخرى، بصراحة فن المحسوبيات دمر الفن تدميراً خطيراً.

• ما هي مشاريعك المستقبلية؟

انتهيت قبل فترة من إنجاز ألبوم اسمه «النصيحة» ولكنني قررت إيقاف إصداره نتيجة الأحداث الحالية.. فالوطن جريح وأتمنى الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. كما لدي عمل عالمي من المتوقع أن يدخل كتاب غنيس للأرقام القياسية، إذ يتضمن إنشاد أسماء الله الحسنى بـ99 لغة، خلال 6 دقائق وفيه تسعة مقامات وتسعة إيقاعات وأتمنى أن نجد جهة منتجة قوية لإنجازه لأنه يعتمد على تقنيات عالية جداً وهو ما يتطلب رعاية خاصة.

لقد ألغيت كل حفلاتي بمناسبة الأعياد، وأعتقد أني الفنان السوري الوحيد الذي قام بذلك، فكيف يمكنني الغناء والدماء تسيل بالشوارع سواء من الجيش أو من المتظاهرين.. أنا ابن هذا الوطن، ولا أنتمي لسواه في هذا العالم، وسأبقى أغني للوطن، وسأموت في الوطن.